- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
الإدغام وأقسامه وأحكامه
( مقدمة
تقدم في باب النون الساكنة والتنوين تعريف الإدغام لغة واصطلاحاً كما تقدم في نفس الباب
تعريف ما يقابله وهو الإظهار في اللغة والاصطلاح أيضاً ونقول هنا: إن الإظهار هو
الأصل لعدم احتياجه إلى سبب والإدغام فرع عنه لاحتياجه إلى السبب كما سنوضحه قريباً.
بقي لنا أن نتكلم على أسباب الإدغام وفائدته وشروطه وكيفيته وأقسامه وموانعه
والمقصود ذكره في هذا المختصر فنقول وبالله التوفيق ومنه العون.
أساب الإدغام
أما أسبابه فثلاثة وهي: التماثل والتقارب والتجانس وقد تقدم الكلام مستوفى على هذه الثلاثة
في الباب السابق مما أغنانا عن إعادته هنا.
فائدة الإدغام
أما فائدته فهي التخفيف والتسهيل في النطق إذ النطق بحرف واحد فيه خفة وسهولة
عن النطق بحرفين.
شروط الإدغام
للإدغام شرطان:
الأول: خاص بالمدغم وهو الحرف الأول.
الثاني: خاص بالمدغم فيه وهو الحرف الثاني.
أما الشرط الخاص بالمدغم فهو التقاؤه بالمدغم فيه خطاً ولفظاً كالنون مع الراء في نحو {مِّن
رَّبِّهِمْ} أو خطاً لا لفظاً فيدخل الهاءان في نحو {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً}. ويمتنع كونه لفظاً لا
خطاً فيخرج النونان في نحو {أَنَاْ نَذِيرٌ}.
وأما الشرط الخاص بالمدغم فيه فهو أن يكون أكثر من حرف إذا كان الإدغام في كلمة،
فيدخل القاف والكاف في نحو {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} بالاتفاق ونحو {خَلَقَكُمْ} و{رَزَقَكُمْ}
و{يَخْلُقُكُمْ} و{سَبَقَكُمْ} عند من أدغم ويخرج نحو {خَلَقَكَ} و{نَرْزُقُكَ} فلا إدغام فيه.
كيفية الإدغام
أما كيفيته فهي جعل المدغم وهو الحرف الأول من جنس المدغم فيه وهو الحرف الثاني فمثلاً
إذا أدغمت النون في اللام أو في الراء في نحو {مِن لَّدُنَّا}. {مِن رِّزْقِ اللَّهِ} فتقلب النون لاماً في
المثال الأول وراء في المثال الثاني وتدغم اللام في اللام والراء في الراء وحنيئذ يصير انلطق
بلام مفتوحة مشددة بعد الميم في {مِن لَّدُنَّا} وبراء مكسورة مشددة بعد الميم في {مِن رِّزْقِ اللَّهِ}.
ومن ثم يتضح أن هذه الكيفية تمت بعملين هما: قلب المدغوم وهو الحرف الأول من جنس المدغم
فيه وهو الحرف الثاني. ثم إدغامه في المدغم فيه. وهذان العملان فيما إذا كان الإدغام في غير
المثلين.
أما إذا كان الإدغام في المثلين فيكيفته تتم بعمل واحد وهو إدغام الأول في الثاني كالفاء
في نحو {َلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ}.
وكل من العملين اللذين في إدغام غير المثلين والعمل الواحد الذي في إدغام المثلين فيما إذا
سكن الحرف الأول من المثلين أو المتقاربين أو المتجانسين.
أما إذا تحرك الحرفان في كل من الثلاثة فتتم كيفية الإدغام بعملين اثنين في المثلين وبثلاثة
أعمال في المتقاربين والمتجانسين.
أما عملا إدغام المثلين فهما تسكين المدغم ثم إدغامه في المدغم فيه كالميمين في نحو {الرَّحِيمِ *
مَـالِكِ} وحينئذ يصير النطق بميم واحدة مفتوحة مشددة بعد الياء المدية
وأما الأعمال الثلاثة التي في إدغام المتقاربين والمتجانسين فهي قلب المدغم من جنس
المدغم فيه. ثم تسكينه. ثم إدغامه في المدغم فيه مثال إدغام المتقاربين القاف في الكاف
من نحو {خَلَقَكُمْ}.
ومثال إدغام المتجانسين التاء المثناة فوق في الطاء المهملة في نحو {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}
وهنا يصير النطق في {خَلَقَكُمْ} بكاف واحدة مضمومة مشددة بعد اللام. وبطاء واحدة مفتوحة
مشددة بعد الفاء المد المعانقة للام في {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ}.
وهنا يتضح جليًّا أن المدغم في الأمثلة الواردة ذكرها في كيفية الإدغام هذه لم يبق له أثر
لاستهلاكه في المدغم فيه كما هو واضح في النطق، والله أعلم.
أقسام الإدغام
أما أقسامه فأثنان: صغير وكبير:
فالصغير هو إدغام ساكن في متحرك كإدغام التاء في الدال في نحو {حَصَدتُّمْ} والميم في
الميم في نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} والقاف في الكاف من {أَلَمْ نَخْلُقكُّم}.
وسمي صغيراً لقلة أعمال المدغم حال الإدغام بالنسبة للكبير. وقيل لكونه إدغام ساكن في متحرك.
والكبير هو إدغام متحرك في متحرك كإدغام اللام في اللام في نحو {جَعَلَ لَكُمُ} والتاء المثناة فوق
في السين وفي الطاء المهملتين في نحو {?لصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} و{الصَّالِحَاتِ طُوبَى}.
وسمي كبيراً لكثرة أعمال المدغم وقد تقدم آنفاً تفصيل ذلك أثناء الكلام على كيفية الإدغام وقيل
لكونه إدغام متحرك في متحرك وقيل لكثرة وقوعه. وقيل لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه.
وقيل لشموله المثلين والمتقاربين والمتجانسين وقيل غير ذلك.
موانع الإدغام
أما موانعه بالنسبة للإدغام الكبير فهي مبسوطة في كتب الخلاف تركنا ذكرها هنا طلباً للاختصار
لأن الإدغام الكبير لم يقع في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمتين تقدم ذكرهما عند الكلام على
تعريف المثلين.
وأما موانع الإدغام بالنسبة للصغير فسنذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر الإدغام الممتنع منه.
المقصود ذكره من الإدغام في هذا المختصر
أما المقصود ذكره منه في هذا المختصر فهو الإدغام الصغير لأنه الأهم بالنسبة للمبتدئين في هذا
الفن وبالأخص معرفة الواجب منه ولأنه أشد تعلقاً برواية حفص عن عاصم المشهورة في كثير
من الأمصار.
أما الإدغام الكبير فلم يقع في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمات يسيرة كما تقدم منها كلمة
{مَكَّنِّي} بالكهف وتقدم الكلام عليها في المثلين.
وكلمة {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف وسنذكرها في خاتمة باب الإدغام بعون الله سبحانه ولذا تركنا ذكر الكبير
في هذا المختصر وفيما يلي الكلام على ما قصدنا ذكره وهو الإدغام الصغير.
الكلام على الإدغام الصغير
وهوما كان الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً كما تقدم ويقع في كل من المثلين والمتقاربين
والمتجانسين وينقسم هذا الإدغام إلى ثلاثة أقسام: واجب وجائز وممتنع ثم إلى كامل وناقص.
1- فالواجب هو ما وجب إدغامه عند كل القراء.
2- والممتنع هو ما امتنع إدغامه عندهم كذلك.
3- والجائز هو ما جاز أدغامه وأظهاره عند بعضهم.
1- الإدغام الكامل هو سقوط المدغم ذاتاً وصفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم
والمدغم فيه حرفاً و احداً مشدداً نحو {مِن لَّدُنِّي} وسمي إدغاماً كاملاً لاستكمال التشديد.
2- والإدغام الناقص هو سقوط المدغم ذاتاً لا صفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم
والمدغم فيه حرفاً واحداً مشدداً تشديداً ناقصاً نحو {فَرَّطَتُ} وسمي بذلك لأنه غير مستكمل
التشديد وفيما يلي الكلام على كل مفصلاً.
الكلام على الإدغام الواجب
وسمي بذلك لإجماع القراء على وجوب إدغامه ويكون في المثلين والمتقاربين والمتجانسين
وإليك بسط الكلام على كل.
الإدغام الواجب في المثلين وضابطه
وهو مشروط بشرطين:
الأول: متفق عليه.
والثاني: مختلف فيه.
أما الشرط المتفق عليه فهو ألا يكون أول المثلين حرف مد كالواوين في نحو قوله تعالى:
{اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَ?تَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وكالياءين في نحو {الَّذِى يُوَسْوِسُ} فإن
كان كذلك فحكمه الإظهار بالإجماع لئلا يذهب المد بسبب الإدغام. فلذا بقي الإظهار محافظة
على المد.
أما إذا سكنت الواو الأولى وانفتح ما قبلها وجب إدغامها في المتحركة بعدها نحو قوله تعالى:
{ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ} {آوَواْ وَّنَصَرُواْ} وذلك لأن حرف اللين بمنزلة الصحيح. ولم
يقع في القرآن الكريم ياء لينية بعدها ياء متحركة ولو وقعت لوجب الإدغام.
وأما الشرط المختلف فيه فهو ألا يكون أول المثلين هاء سكت. ولم يقع من ذلك في التنزيل إلا
موضع واحد وهو لفظ {مَالِيَهْ} من {مَالِيَهْ * هَّلَكَ} بالحاقة، الآيتان: 28 ، 29. وقد اختلف فيه.
فقال البعض بالإدغام على القاعدة العامة، "أي أن أول المثلين ساكن وليس حرف مد، والثاني
متحرك كما سيأتي بعد". وقال البعض الآخر بالإظهار وهو الأرجح والمقدم في الاداء وعليه
الجمهور.
ووجهه أن هاء السكت لا حظ لها في الإدغام. وكيفية الإظهار الوقف على هاء "ماليه" وقفة
لطيفة من غير تنفس. وهذان الوجهان أي الإظهار والإدغام جائزان في حال وصل ماليه
بهلك لمن أثبت الهاء من القراء حنيئذ ومنهم حفص عن عاصم.
أما في حالة الوقف فلا خلاف في إثبات الهاء للكل.
وفيما سوى هذين الشرطين يدغم أول المثلين في الثاني وجوباً لكل القراء سواء كان في كلمة
نحو {يُدْرِككُّمُ} {يُوَجِّههُّ} {الم} {المر} أو في كلمتين نحو {رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} {اضْرِب بِّعَصَاكَ}.
{فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} {وَقَدْ دَّخَلُواْ} {كَانَت تَّأْتِيهِمْ} {قُل لَّكُم} {عَصَوْاْ وَّكَانُواْ} {إِن نَّشَأْ}.
{إِذ ذَّهَبَ} وما إلى ذلك.
ويسمى إدغام مثلين صغيراً. فإن كان مصحوباً بالغنة نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} و{الم} و{لَن نُّؤْمِنَ}
فيمسى إدغام مثلين صغيراً مع الغنة.
وقد أشار العلامة الجمزوري في كنز المعاني إلى وجوب إدغام المثلين الصغير للجميع
بالشروط التي ذكرنا بقوله فيه رحمه الله تعالى:
*وما أوَّلُ المثْلَيْن فيه مُسَكَّن * فلا بُدَّ من إدغامِه مُتَمَثِّلا*
*لدى الكلِّ إلاَّ حرف مَد فأظْهِرنْ * كقالوا وَهُمْ في يَوْمِ وامدُدُهُ مُسْجَلاَ*
*لِكُلِّ وإلاَّ هاءُ سَكْت بمَالِيَهْ * ففيهِ لهُمْ خُلْفٌ والإظهارُ فُضِّلاَ*
*بسَكْت ... ... ... ... * ... ... ... ... ... اهـ*
كما أشار أيضاً العلامة السمنودي في لآلىء البيان بقوله عفا الله عنه:
*أوَّلَ مِثْلَى الصَّغير دُون مَدّ * أدْغِمْ ولكنْ سَكْت مَالِيَهُ أسَدَ أهـ*
الإدغام الواجب في المتقاربين وحروفه الخاصة به
وهو ليس مطلقاً كإدغام المثلين بل في أحرف مخصوصة. منها ما هو مطرد في التنزيل.
ومنها ما هو خاص بموضعه. وهذه الأحرف هي:
1- اللام الساكنة في الراء سواء كانت من حرف "بل" أو من فعل "قل" نحو {بَل رَّبُّكُمْ}
{بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}. {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً}.
وما ذكره إمامنا الحافظ السيوطي في الإتقان من التثميل بقوله: "هل رَّأيتم" فهو سهو منه رحمه
الله إذ الراء لا تقع بعد هل في القرآن الكريم ألْبَتَّه ويستثنى من هذا النوع إدغام لام بل في الراء
من {بَلْ رَانَ} بالمطففين الآية:14، لحفص عن عاصم من الشاطبية بسبب سكته عليها والسكت
يمنع الإدغام.
2- النون الساكنة ولو تنويناً في خمسة أحرف وهي: "اللام والراء والميم والواو والياء".
مثال النون مع هذه الأحرف {مِّن رَّبِّهِمْ} {مِّن لَّدُنْهُ} {مِّن مَّالِ اللَّهِ} {مِن وَلِيٍّ} {إِن يَقُولُونَ}.
ومثال التنوين معها نحو {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} {مَثَلاً مَّا} {وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ}.
بقي حرف واحد من الأحرف التي تدغم فيه النون الساكنة ولو تنويناً وهو "النون" نحو
{إِن نَّقُولُ} {يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} وهو حنيئذ من باب المثلين الذين ذكرناه آنفاً وقد مثلنا له هناك
بنحو هذا فتأمله.
أما الكلام على الغنة وعدمها في هذا الإدغام فسيأتي عند الكلام على نقصان الإدغام وكماله
إن شاء الله تعالى.
هذا: ويستثنى من هذا النوع إدغام النون الساكنة في الراء من قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}
بالقيامة عند حفص عاصم من الشاطبية بسبب سكته على النون والسكت يمنع الإدغام.
3- الإدغام الشمسي وهو إدغام لام التعريف في حروفها الأربعة عشر الخاصة بها المتقدمة
في قوله: "طب ثم صل ... البيت" باستثناء حرف واحد منها وهو اللام في نحو {وَالْلَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى} فإنه من قبيل إدغام المثلين والأمثلة غير خفية لتقدمها في محلها كما تقدم هناك أيضاً
وجه إدغام لام التعريف في القرب والمثل اتفاقاً واختلافاً فارجع إليه إن شئت.
4- القاف الساكنة في الكاف في قوله تعالى بالمراسلات: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ}،.
ويسمى كل ما ذكرنا في هذا الإدغام إدغام متقاربين صغيراً وتزداد كلمة بغنة إن كان
مصحوباً بها كإدغام النون الساكنة والتنوين في الميم والواو والياء وكذلك لام التعريف في
النون نحو {مِّنَ النُّورِ} فتأمل.
الإدغام الواجب في المتجانسين وحروفه الخاصة به
وهو كإدغام المتقاربين في أن له حروفاً مخصوصة وقد تكون مطردة وغير مطردة
وأحرفه كما يلي:
1- الذال المعجمة الساكنة من ذال "إذ" في الظاء في موضعين وهما {إِذ ظَّلَمْتُمْ}، {إِذ ظَّلَمُوااْ}
ولا ثالث لهما في التنزيل.
2- الدال المهملة الساكنة في التاء المثناة فوق سواء أكانت الدال هذه حرف "قد" أو من غيره.
ففي قد نحو {قَد تَّبَيَّنَ}، و{قَد تَّعْلَمُونَ} وما شابه ذلك.
وأما في غير "قد" فهو كثير في التنزيل نحو {حَصَدتُّمْ} {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ}، {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم}
{وَإِنْ أَرَدْتُّمُ}، {لَقَدْ كِدتَّ}، {رُّدِدتُّ} وما إلى ذلك.
وليس منه كلمة {عَنِتُّمْ} بآل عمران والتوبة و{لَعَنِتُّمْ} بالحجرات لأنها من العنت ولذا لم
ترسم في المصحف الشريف بدال بين النون والتاء وقد نظم بعضهم هذه المواضع فقال:
*عَنِتُّم قدْ أتَتْ في ثلاثَةٍ * بتَاءٍ فلاَ تُرْسَمُ بدالٍ أخَا العُلاَ*
*ففي آل عِمْران أتَتْ وبتوبَةٍ * وبالحُجُرات اخْتِمْ كذا نَقَل المَلاَ اهـ*
3- تاء التأنيث الساكنة في الدال وفي الطاء المهملتين. ففي الدال في موضعين لا ثالث لهما:
أولهما في قوله تعالى في الأعراف: {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا}.
وثانيهما في قوله بيونس: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}. وفي الطاء في نحو قوله تعالى
بالصف: {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ}.
4- الطاء المهملة الساكنة في التاء المثناة فوق نحو {أَحَطتُ} {بَسَطتَ}، {فَرَّطتُمْ} ولهذا الحرف
مزيد بيان نأتي عليه عند الكلام على كمال الإدغام ونقصانه.
5- الميم الساكنة إذا وقع بعدها الباء الموحدة فتخفى حينئذ مع الغنة في أحد القولين نحو
{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ}.
والقول الآخر هو الإظهار من غير غنة وإليه ذهب بعضهم وهو اختيار مكي بن أبي طالب
القيسي وتقدم الكلام مستوفى على هذه المسألة في باب الميم الساكنة فارجع إليه إن شئت
والله الموفق.
6- اللام الساكنة في الراء نحو {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} وكذلك النون الساكنة في اللام
والراء نحو {مِن لَّدُنَّا} {أَن رَّآهُ} وهذا على مذهب الفراء وموافقيه.
أما على مذهب الجمهور وهو المعمول عليه فمن قبيل إدغام المتقاربين كما تقدم ويسمى
الكل إدغام متجانسين صغيراً والله تعالى أعلم.
الكلام على الإدغام الممتنع: أو موانع الإدغام الصغير
تقدم أن الإدغام الممتنع هو ما امتنع إدغامه عند عامة القراء. وهو ما كان الحرف الأول فيه
متحركاً والثاني ساكناً سواء كانا في كلمة كالقافين في نحو {شَقَقْنَا} وكالذال المعجمة والتاء المثنة
فوق في نحو {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم} أو كلمتين كاللامين في نحو {قَالَ الْمَلأُ} واللام والراء في
نحو {قَالَ ارْجِعْ} فكل هذا وما شاكله لا يجوز إدغامه بحال لأن من شرط الإدغام أن يكون
المدغم وهو الحرف الأول ساكناً والمدغم فيه وهو الحرف الثاني متحركاً وهو هنا بالعكس
ولهذا امتنع الإدغام هنا بالإجماع وهذه هي موانع الإدغام الصغير.
وقد أشار إلى ما تقدم ذكره من الإدغام الواجب الممتنع في هذا الباب الحافظ ابن الجزري
في المقدمة الجزرية بقوله:
*واوَّلَىْ مِثْلٍ وجنْس إنْ سَكَنْ * أدْغِمْ كقُل ربِّي وبل لا وأبنْ*
*في يومِ مع قالوا وَهُمْ وقُلْ نعَمْ * سبَّحْهُ لا تُزغْ قُلوبَ فالْتَقُمْ*
الكلام على الإدغام الجائز
وبيان مذهب حفص عن عاصم في فصوله
سبق أن قلنا إن المراد بالإدغام الجائز أي ما جاز إدغامه وإظهاره عند بعض القراء
وينحصر الكلام عليه في خمسة فصول:
الأول: في ذال إذ.
والثاني: في دال قد.
والثالث: في تاء التأنيث الساكنة.
والرابع: في لامي هل وبل.
والخامس: في حروف قربت مخارجها.
الإدغام وأقسامه وأحكامه
( مقدمة
تقدم في باب النون الساكنة والتنوين تعريف الإدغام لغة واصطلاحاً كما تقدم في نفس الباب
تعريف ما يقابله وهو الإظهار في اللغة والاصطلاح أيضاً ونقول هنا: إن الإظهار هو
الأصل لعدم احتياجه إلى سبب والإدغام فرع عنه لاحتياجه إلى السبب كما سنوضحه قريباً.
بقي لنا أن نتكلم على أسباب الإدغام وفائدته وشروطه وكيفيته وأقسامه وموانعه
والمقصود ذكره في هذا المختصر فنقول وبالله التوفيق ومنه العون.
أساب الإدغام
أما أسبابه فثلاثة وهي: التماثل والتقارب والتجانس وقد تقدم الكلام مستوفى على هذه الثلاثة
في الباب السابق مما أغنانا عن إعادته هنا.
فائدة الإدغام
أما فائدته فهي التخفيف والتسهيل في النطق إذ النطق بحرف واحد فيه خفة وسهولة
عن النطق بحرفين.
شروط الإدغام
للإدغام شرطان:
الأول: خاص بالمدغم وهو الحرف الأول.
الثاني: خاص بالمدغم فيه وهو الحرف الثاني.
أما الشرط الخاص بالمدغم فهو التقاؤه بالمدغم فيه خطاً ولفظاً كالنون مع الراء في نحو {مِّن
رَّبِّهِمْ} أو خطاً لا لفظاً فيدخل الهاءان في نحو {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً}. ويمتنع كونه لفظاً لا
خطاً فيخرج النونان في نحو {أَنَاْ نَذِيرٌ}.
وأما الشرط الخاص بالمدغم فيه فهو أن يكون أكثر من حرف إذا كان الإدغام في كلمة،
فيدخل القاف والكاف في نحو {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} بالاتفاق ونحو {خَلَقَكُمْ} و{رَزَقَكُمْ}
و{يَخْلُقُكُمْ} و{سَبَقَكُمْ} عند من أدغم ويخرج نحو {خَلَقَكَ} و{نَرْزُقُكَ} فلا إدغام فيه.
كيفية الإدغام
أما كيفيته فهي جعل المدغم وهو الحرف الأول من جنس المدغم فيه وهو الحرف الثاني فمثلاً
إذا أدغمت النون في اللام أو في الراء في نحو {مِن لَّدُنَّا}. {مِن رِّزْقِ اللَّهِ} فتقلب النون لاماً في
المثال الأول وراء في المثال الثاني وتدغم اللام في اللام والراء في الراء وحنيئذ يصير انلطق
بلام مفتوحة مشددة بعد الميم في {مِن لَّدُنَّا} وبراء مكسورة مشددة بعد الميم في {مِن رِّزْقِ اللَّهِ}.
ومن ثم يتضح أن هذه الكيفية تمت بعملين هما: قلب المدغوم وهو الحرف الأول من جنس المدغم
فيه وهو الحرف الثاني. ثم إدغامه في المدغم فيه. وهذان العملان فيما إذا كان الإدغام في غير
المثلين.
أما إذا كان الإدغام في المثلين فيكيفته تتم بعمل واحد وهو إدغام الأول في الثاني كالفاء
في نحو {َلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ}.
وكل من العملين اللذين في إدغام غير المثلين والعمل الواحد الذي في إدغام المثلين فيما إذا
سكن الحرف الأول من المثلين أو المتقاربين أو المتجانسين.
أما إذا تحرك الحرفان في كل من الثلاثة فتتم كيفية الإدغام بعملين اثنين في المثلين وبثلاثة
أعمال في المتقاربين والمتجانسين.
أما عملا إدغام المثلين فهما تسكين المدغم ثم إدغامه في المدغم فيه كالميمين في نحو {الرَّحِيمِ *
مَـالِكِ} وحينئذ يصير النطق بميم واحدة مفتوحة مشددة بعد الياء المدية
وأما الأعمال الثلاثة التي في إدغام المتقاربين والمتجانسين فهي قلب المدغم من جنس
المدغم فيه. ثم تسكينه. ثم إدغامه في المدغم فيه مثال إدغام المتقاربين القاف في الكاف
من نحو {خَلَقَكُمْ}.
ومثال إدغام المتجانسين التاء المثناة فوق في الطاء المهملة في نحو {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ}
وهنا يصير النطق في {خَلَقَكُمْ} بكاف واحدة مضمومة مشددة بعد اللام. وبطاء واحدة مفتوحة
مشددة بعد الفاء المد المعانقة للام في {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ}.
وهنا يتضح جليًّا أن المدغم في الأمثلة الواردة ذكرها في كيفية الإدغام هذه لم يبق له أثر
لاستهلاكه في المدغم فيه كما هو واضح في النطق، والله أعلم.
أقسام الإدغام
أما أقسامه فأثنان: صغير وكبير:
فالصغير هو إدغام ساكن في متحرك كإدغام التاء في الدال في نحو {حَصَدتُّمْ} والميم في
الميم في نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} والقاف في الكاف من {أَلَمْ نَخْلُقكُّم}.
وسمي صغيراً لقلة أعمال المدغم حال الإدغام بالنسبة للكبير. وقيل لكونه إدغام ساكن في متحرك.
والكبير هو إدغام متحرك في متحرك كإدغام اللام في اللام في نحو {جَعَلَ لَكُمُ} والتاء المثناة فوق
في السين وفي الطاء المهملتين في نحو {?لصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ} و{الصَّالِحَاتِ طُوبَى}.
وسمي كبيراً لكثرة أعمال المدغم وقد تقدم آنفاً تفصيل ذلك أثناء الكلام على كيفية الإدغام وقيل
لكونه إدغام متحرك في متحرك وقيل لكثرة وقوعه. وقيل لتأثيره في إسكان المتحرك قبل إدغامه.
وقيل لشموله المثلين والمتقاربين والمتجانسين وقيل غير ذلك.
موانع الإدغام
أما موانعه بالنسبة للإدغام الكبير فهي مبسوطة في كتب الخلاف تركنا ذكرها هنا طلباً للاختصار
لأن الإدغام الكبير لم يقع في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمتين تقدم ذكرهما عند الكلام على
تعريف المثلين.
وأما موانع الإدغام بالنسبة للصغير فسنذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر الإدغام الممتنع منه.
المقصود ذكره من الإدغام في هذا المختصر
أما المقصود ذكره منه في هذا المختصر فهو الإدغام الصغير لأنه الأهم بالنسبة للمبتدئين في هذا
الفن وبالأخص معرفة الواجب منه ولأنه أشد تعلقاً برواية حفص عن عاصم المشهورة في كثير
من الأمصار.
أما الإدغام الكبير فلم يقع في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمات يسيرة كما تقدم منها كلمة
{مَكَّنِّي} بالكهف وتقدم الكلام عليها في المثلين.
وكلمة {لاَ تَأْمَنَّا} بيوسف وسنذكرها في خاتمة باب الإدغام بعون الله سبحانه ولذا تركنا ذكر الكبير
في هذا المختصر وفيما يلي الكلام على ما قصدنا ذكره وهو الإدغام الصغير.
الكلام على الإدغام الصغير
وهوما كان الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً كما تقدم ويقع في كل من المثلين والمتقاربين
والمتجانسين وينقسم هذا الإدغام إلى ثلاثة أقسام: واجب وجائز وممتنع ثم إلى كامل وناقص.
1- فالواجب هو ما وجب إدغامه عند كل القراء.
2- والممتنع هو ما امتنع إدغامه عندهم كذلك.
3- والجائز هو ما جاز أدغامه وأظهاره عند بعضهم.
1- الإدغام الكامل هو سقوط المدغم ذاتاً وصفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم
والمدغم فيه حرفاً و احداً مشدداً نحو {مِن لَّدُنِّي} وسمي إدغاماً كاملاً لاستكمال التشديد.
2- والإدغام الناقص هو سقوط المدغم ذاتاً لا صفة بإدغامه في المدغم فيه وبذلك يصير المدغم
والمدغم فيه حرفاً واحداً مشدداً تشديداً ناقصاً نحو {فَرَّطَتُ} وسمي بذلك لأنه غير مستكمل
التشديد وفيما يلي الكلام على كل مفصلاً.
الكلام على الإدغام الواجب
وسمي بذلك لإجماع القراء على وجوب إدغامه ويكون في المثلين والمتقاربين والمتجانسين
وإليك بسط الكلام على كل.
الإدغام الواجب في المثلين وضابطه
وهو مشروط بشرطين:
الأول: متفق عليه.
والثاني: مختلف فيه.
أما الشرط المتفق عليه فهو ألا يكون أول المثلين حرف مد كالواوين في نحو قوله تعالى:
{اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَ?تَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وكالياءين في نحو {الَّذِى يُوَسْوِسُ} فإن
كان كذلك فحكمه الإظهار بالإجماع لئلا يذهب المد بسبب الإدغام. فلذا بقي الإظهار محافظة
على المد.
أما إذا سكنت الواو الأولى وانفتح ما قبلها وجب إدغامها في المتحركة بعدها نحو قوله تعالى:
{ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ} {آوَواْ وَّنَصَرُواْ} وذلك لأن حرف اللين بمنزلة الصحيح. ولم
يقع في القرآن الكريم ياء لينية بعدها ياء متحركة ولو وقعت لوجب الإدغام.
وأما الشرط المختلف فيه فهو ألا يكون أول المثلين هاء سكت. ولم يقع من ذلك في التنزيل إلا
موضع واحد وهو لفظ {مَالِيَهْ} من {مَالِيَهْ * هَّلَكَ} بالحاقة، الآيتان: 28 ، 29. وقد اختلف فيه.
فقال البعض بالإدغام على القاعدة العامة، "أي أن أول المثلين ساكن وليس حرف مد، والثاني
متحرك كما سيأتي بعد". وقال البعض الآخر بالإظهار وهو الأرجح والمقدم في الاداء وعليه
الجمهور.
ووجهه أن هاء السكت لا حظ لها في الإدغام. وكيفية الإظهار الوقف على هاء "ماليه" وقفة
لطيفة من غير تنفس. وهذان الوجهان أي الإظهار والإدغام جائزان في حال وصل ماليه
بهلك لمن أثبت الهاء من القراء حنيئذ ومنهم حفص عن عاصم.
أما في حالة الوقف فلا خلاف في إثبات الهاء للكل.
وفيما سوى هذين الشرطين يدغم أول المثلين في الثاني وجوباً لكل القراء سواء كان في كلمة
نحو {يُدْرِككُّمُ} {يُوَجِّههُّ} {الم} {المر} أو في كلمتين نحو {رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ} {اضْرِب بِّعَصَاكَ}.
{فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ} {وَقَدْ دَّخَلُواْ} {كَانَت تَّأْتِيهِمْ} {قُل لَّكُم} {عَصَوْاْ وَّكَانُواْ} {إِن نَّشَأْ}.
{إِذ ذَّهَبَ} وما إلى ذلك.
ويسمى إدغام مثلين صغيراً. فإن كان مصحوباً بالغنة نحو {كَم مِّن فِئَةٍ} و{الم} و{لَن نُّؤْمِنَ}
فيمسى إدغام مثلين صغيراً مع الغنة.
وقد أشار العلامة الجمزوري في كنز المعاني إلى وجوب إدغام المثلين الصغير للجميع
بالشروط التي ذكرنا بقوله فيه رحمه الله تعالى:
*وما أوَّلُ المثْلَيْن فيه مُسَكَّن * فلا بُدَّ من إدغامِه مُتَمَثِّلا*
*لدى الكلِّ إلاَّ حرف مَد فأظْهِرنْ * كقالوا وَهُمْ في يَوْمِ وامدُدُهُ مُسْجَلاَ*
*لِكُلِّ وإلاَّ هاءُ سَكْت بمَالِيَهْ * ففيهِ لهُمْ خُلْفٌ والإظهارُ فُضِّلاَ*
*بسَكْت ... ... ... ... * ... ... ... ... ... اهـ*
كما أشار أيضاً العلامة السمنودي في لآلىء البيان بقوله عفا الله عنه:
*أوَّلَ مِثْلَى الصَّغير دُون مَدّ * أدْغِمْ ولكنْ سَكْت مَالِيَهُ أسَدَ أهـ*
الإدغام الواجب في المتقاربين وحروفه الخاصة به
وهو ليس مطلقاً كإدغام المثلين بل في أحرف مخصوصة. منها ما هو مطرد في التنزيل.
ومنها ما هو خاص بموضعه. وهذه الأحرف هي:
1- اللام الساكنة في الراء سواء كانت من حرف "بل" أو من فعل "قل" نحو {بَل رَّبُّكُمْ}
{بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}. {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً}.
وما ذكره إمامنا الحافظ السيوطي في الإتقان من التثميل بقوله: "هل رَّأيتم" فهو سهو منه رحمه
الله إذ الراء لا تقع بعد هل في القرآن الكريم ألْبَتَّه ويستثنى من هذا النوع إدغام لام بل في الراء
من {بَلْ رَانَ} بالمطففين الآية:14، لحفص عن عاصم من الشاطبية بسبب سكته عليها والسكت
يمنع الإدغام.
2- النون الساكنة ولو تنويناً في خمسة أحرف وهي: "اللام والراء والميم والواو والياء".
مثال النون مع هذه الأحرف {مِّن رَّبِّهِمْ} {مِّن لَّدُنْهُ} {مِّن مَّالِ اللَّهِ} {مِن وَلِيٍّ} {إِن يَقُولُونَ}.
ومثال التنوين معها نحو {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ} {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)} {مَثَلاً مَّا} {وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً}
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ}.
بقي حرف واحد من الأحرف التي تدغم فيه النون الساكنة ولو تنويناً وهو "النون" نحو
{إِن نَّقُولُ} {يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ} وهو حنيئذ من باب المثلين الذين ذكرناه آنفاً وقد مثلنا له هناك
بنحو هذا فتأمله.
أما الكلام على الغنة وعدمها في هذا الإدغام فسيأتي عند الكلام على نقصان الإدغام وكماله
إن شاء الله تعالى.
هذا: ويستثنى من هذا النوع إدغام النون الساكنة في الراء من قوله تعالى: {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}
بالقيامة عند حفص عاصم من الشاطبية بسبب سكته على النون والسكت يمنع الإدغام.
3- الإدغام الشمسي وهو إدغام لام التعريف في حروفها الأربعة عشر الخاصة بها المتقدمة
في قوله: "طب ثم صل ... البيت" باستثناء حرف واحد منها وهو اللام في نحو {وَالْلَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى} فإنه من قبيل إدغام المثلين والأمثلة غير خفية لتقدمها في محلها كما تقدم هناك أيضاً
وجه إدغام لام التعريف في القرب والمثل اتفاقاً واختلافاً فارجع إليه إن شئت.
4- القاف الساكنة في الكاف في قوله تعالى بالمراسلات: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ}،.
ويسمى كل ما ذكرنا في هذا الإدغام إدغام متقاربين صغيراً وتزداد كلمة بغنة إن كان
مصحوباً بها كإدغام النون الساكنة والتنوين في الميم والواو والياء وكذلك لام التعريف في
النون نحو {مِّنَ النُّورِ} فتأمل.
الإدغام الواجب في المتجانسين وحروفه الخاصة به
وهو كإدغام المتقاربين في أن له حروفاً مخصوصة وقد تكون مطردة وغير مطردة
وأحرفه كما يلي:
1- الذال المعجمة الساكنة من ذال "إذ" في الظاء في موضعين وهما {إِذ ظَّلَمْتُمْ}، {إِذ ظَّلَمُوااْ}
ولا ثالث لهما في التنزيل.
2- الدال المهملة الساكنة في التاء المثناة فوق سواء أكانت الدال هذه حرف "قد" أو من غيره.
ففي قد نحو {قَد تَّبَيَّنَ}، و{قَد تَّعْلَمُونَ} وما شابه ذلك.
وأما في غير "قد" فهو كثير في التنزيل نحو {حَصَدتُّمْ} {وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ}، {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم}
{وَإِنْ أَرَدْتُّمُ}، {لَقَدْ كِدتَّ}، {رُّدِدتُّ} وما إلى ذلك.
وليس منه كلمة {عَنِتُّمْ} بآل عمران والتوبة و{لَعَنِتُّمْ} بالحجرات لأنها من العنت ولذا لم
ترسم في المصحف الشريف بدال بين النون والتاء وقد نظم بعضهم هذه المواضع فقال:
*عَنِتُّم قدْ أتَتْ في ثلاثَةٍ * بتَاءٍ فلاَ تُرْسَمُ بدالٍ أخَا العُلاَ*
*ففي آل عِمْران أتَتْ وبتوبَةٍ * وبالحُجُرات اخْتِمْ كذا نَقَل المَلاَ اهـ*
3- تاء التأنيث الساكنة في الدال وفي الطاء المهملتين. ففي الدال في موضعين لا ثالث لهما:
أولهما في قوله تعالى في الأعراف: {فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا}.
وثانيهما في قوله بيونس: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا}. وفي الطاء في نحو قوله تعالى
بالصف: {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ}.
4- الطاء المهملة الساكنة في التاء المثناة فوق نحو {أَحَطتُ} {بَسَطتَ}، {فَرَّطتُمْ} ولهذا الحرف
مزيد بيان نأتي عليه عند الكلام على كمال الإدغام ونقصانه.
5- الميم الساكنة إذا وقع بعدها الباء الموحدة فتخفى حينئذ مع الغنة في أحد القولين نحو
{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} {أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ}.
والقول الآخر هو الإظهار من غير غنة وإليه ذهب بعضهم وهو اختيار مكي بن أبي طالب
القيسي وتقدم الكلام مستوفى على هذه المسألة في باب الميم الساكنة فارجع إليه إن شئت
والله الموفق.
6- اللام الساكنة في الراء نحو {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)} وكذلك النون الساكنة في اللام
والراء نحو {مِن لَّدُنَّا} {أَن رَّآهُ} وهذا على مذهب الفراء وموافقيه.
أما على مذهب الجمهور وهو المعمول عليه فمن قبيل إدغام المتقاربين كما تقدم ويسمى
الكل إدغام متجانسين صغيراً والله تعالى أعلم.
الكلام على الإدغام الممتنع: أو موانع الإدغام الصغير
تقدم أن الإدغام الممتنع هو ما امتنع إدغامه عند عامة القراء. وهو ما كان الحرف الأول فيه
متحركاً والثاني ساكناً سواء كانا في كلمة كالقافين في نحو {شَقَقْنَا} وكالذال المعجمة والتاء المثنة
فوق في نحو {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم} أو كلمتين كاللامين في نحو {قَالَ الْمَلأُ} واللام والراء في
نحو {قَالَ ارْجِعْ} فكل هذا وما شاكله لا يجوز إدغامه بحال لأن من شرط الإدغام أن يكون
المدغم وهو الحرف الأول ساكناً والمدغم فيه وهو الحرف الثاني متحركاً وهو هنا بالعكس
ولهذا امتنع الإدغام هنا بالإجماع وهذه هي موانع الإدغام الصغير.
وقد أشار إلى ما تقدم ذكره من الإدغام الواجب الممتنع في هذا الباب الحافظ ابن الجزري
في المقدمة الجزرية بقوله:
*واوَّلَىْ مِثْلٍ وجنْس إنْ سَكَنْ * أدْغِمْ كقُل ربِّي وبل لا وأبنْ*
*في يومِ مع قالوا وَهُمْ وقُلْ نعَمْ * سبَّحْهُ لا تُزغْ قُلوبَ فالْتَقُمْ*
الكلام على الإدغام الجائز
وبيان مذهب حفص عن عاصم في فصوله
سبق أن قلنا إن المراد بالإدغام الجائز أي ما جاز إدغامه وإظهاره عند بعض القراء
وينحصر الكلام عليه في خمسة فصول:
الأول: في ذال إذ.
والثاني: في دال قد.
والثالث: في تاء التأنيث الساكنة.
والرابع: في لامي هل وبل.
والخامس: في حروف قربت مخارجها.