إعلانات المنتدى


تتمة 100 فائدة من سورة يوسف

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

كمال المروش

مشرف سابق
2 يوليو 2006
8,187
128
63
الجنس
ذكر
36- أن الداعي أول ما يبدأ به التوحيد ، فلقد أرسل الرسول - صلي الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن وقال : (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ)) قال (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ) و قال قبلها (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)
ثم بدأ(يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) مع أنهما سألاه عن رؤيا وينتظران الإجابة عن الرؤيا لكن ما كان ليجيب حتى يعلمهم ما هو أهم كما ثبت في الصحيح [عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ] يعني ما هو الأهم الآن هل هو معرفة وقت الساعة أم الاستعداد لها ، فصرف السائل عن الأقل أهميه إلى الشيء الأكبر أهميه . فهما سألا عن الرؤيا فجاءتهم الإجابة أولاً بالتوحيد .

37- أن تعبير الرؤيا فتوى (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) ولذلك قال العلماء لا يجوز لمن لا يعرف في تعبير الرؤى أن يتكلم فيها فبعض الناس عندما تقص عليه رؤيا يقول ( أُجَرِب ) إيش أُجَرِب ؟ إما عندك علم وإما ما في شيء أسمه أُجَرِب (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)
ذكر الشيخ سعد بن سعدي رحمه الله أن الكلام في الرؤى مثل الفتوى والكلام عليه بغير علم يأثم مثل الفتوى بغير علم

38- جواز اتخاذ الأسباب الجائزة للنجاة قال (اذكرني عند ربك) حتى إذا خرج ذكر القصة للملك والملك ربما يجري تحقيقاً في الموضوع يخرج بسببه يوسف من السجن بريء .
لكن الشيطان يفعل الكيد بأولياء الله فأنسى الرجل هذا بعد ما طلع من السجن ويمكن فرح أن صاحبه قتل وهو نجا فأنسته الفرحة القصة القديمة (وادكر بعد أمه) ادكر هذه أصلها بالذال والتاء (اذتكر) علي وزن افتعل وهما متقاربتان فالتاء ثقيلة بعد الذال فقلبت دال….. والذال والدال ثقيلتان متتاليتان فأدغمت الذال والدال فصارت دال مشددة والتشديد دليل علي وجود إدغام أي أن هناك حرف دخل في حرف .

(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) )
39- أن الرؤيا الصحيحة الحق ممكن يراها الكافر لكن نادرا لأن الملك هذا الذي رأى سبع بقرات سمان وسبع سنبلات هذه رؤيا حق تعبيرها فعلاً حصل ودلت على أن هناك سبع سنوات خصب ثم سبع سنوات عجاف وبعد سنه يأتي فيها الفرج فممكن الشخص الكافر يرى رؤيا صحيحه لكن نادراً . إنما أكثر ما يرى الرؤيا الحق الصحيحة المؤمنون .

40- أن الشخص الذي ذهب ليوسف علَّمه يوسف من غير مقابل…. يعني يوسف ما قال أولا أخرجوني وبعدين أخبركم ما هو تأويل الرؤيا .
كان ممكن يقول طلعوني من السجن أتكلم . خلوني في السجن ما أعطيكم …. فبذل يوسف العلم بلا مقابل . لما قال (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ) مباشرةً .

41- أن في هذه الآية من أصول الاقتصاد وحفظ المال ما فيها . لماذا ؟
لأنه قال ذروه في سنبله وإذا فرط الحب معرض للتلف أكثر مما إذا بقي في السنبل لذلك قال (فذروه في سنبله ) لأنه أحفظ 0000
(إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ) إذاً لابد من الاحتياط والأخذ من أيام الرخاء لأيام الشدة فالآن تأكلون قليلاً منه والباقي يُخزَّن (ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ) هذه أصول الاقتصاد ، انظر كيف أن النبوة فيها تخطيط للمستقبل ومواجهة الحالات الطارئة فيها السبع سنوات العجاف تأخذ مثلاً من السبع السنوات التي قبلها كيف قضية التخزين و كيف قضية تقسيم الأشياء علي كل سنة . فكل سنة لها نصيب بحيث أن ترحيل الأشياء من سنة إلي سنة لكي يحصل سد الحاجة .

42- كيف عرف يوسف أنه سيأتي عام رقم خمسة عشر رخاء يعني قال (سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)
فسرها يوسف سبع سنوات رخاء ثم سبع سنوات شدة ، من أين أتى يوسف بأنه سيأتي بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني عام خمسة عشر هذا رخاء فيه مطر والناس يعصرون الزيتون ويستخرجون الزيت والسمسم إلي أخره…. يعصرون….. يعني من الرخاء ويغاث الناس بالمطر ؟
قيل إن هذا مما فهمه الله ليوسف وعلَّمه إياه لأنه لو كان عام رقم خمسة عشر عام جدب وقحط ما صارت سبع بقرات هزيله وسبع سنبلات يابسات كانت صارت ثمان سنبلات وثمان بقرات هزيله فلما رأى سبعه ثم سبعه معناه أن الذي بعدها ليس جدب وإلا صارت ثمانية فهذا من دقائق الفهم علي أية حال ومما علمه الله ليوسف .

(وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ (54))

43- أن الداعية إلي الله لا يخرج إلا بعد تبرئة ساحته ليخرج إلي المجتمع نظيفا يعني الآن سمعة يوسف بين الناس ملطخة بالشائعات (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)) أشاعوا عليه التهم الباطلة وقالوا أنه راود امرأة العزيز وكذبوا عليه . فلا بد أول أن تثبت براءة يوسف أمام الناس لابد من تنظيف السجلات الماضية وإعادة الأمر ناصعاً وإحقاق الحق ولذلك لما جاء الملك أُعجب بالتفسير جداً -وهذه فيها مكانةٌ له - أي الملك - لأنه بسبب رؤياه ستكون هناك سياسة لإنقاذ الشعب فلا شك أنه سُر بهذا- فأراد مكافأة يوسف فلما قال أتوني به ما خرج يوسف علي الفور والنبي صلي الله عليه وسلم تواضع جداً لمّا قال ( رحم الله أخي يوسف لو كنت مكانه لأجبت الداعي ) تواضع منه قال هذا .فيوسف عليه السلام عنده نظرة بعيدة ما مهم الآن أن يخرج من السجن فقط ؟ المهم إصلاح الأخطاء الماضية إصلاح المفترى عليه . لا بد أن تعاد الأمور إلي نصابها ويصحح الخطأ ويثبت أنه بريء أمام الناس وأنه مظلوم كل هذه السنوات في السجن مظلوم (قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ) هذه العلاقة المشهورة للقصة أن النساء قطعن أيديهن في مجلس ….اشتهرت
(قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ) و اعترفت امرأة العزيز وبالتالي ثبتت براءة يوسف أمام كل الناس ولذلك لما جاء الطلب مرة ثانية زاد منزلة عند الملك ففي المرة الأولي ( قال أتوني به ) وفي الثانية (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) شوف الفائدة لو خرج أول مرة خلاص خذ مائة ألف ومع السلامة لكن لا ؟ الآن أستخلصه لنفسي… الآن هذا يعني سيكون مقربا عنده حظيا ملبي طلباته من المقربين (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ) .

(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (57))

44- جواز طلب المنصب إذا كان الشخص أقدر واحد علي القيام به دون أن يضر بنفسه (قال اجعلني علي خزائن الأرض ) وبيَّن قدراته للملك (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ).
فجواز أن يذكر الإنسان قدراته ليطلب المنصب لمصلحة المجتمع وليس لمصلحته الشخصية جائز، يوسف هل طلب الآن لمصلحته الشخصية ؟ لا ، لكن لأجل مصلحة البلد كلها ثم هو يستثمر المنصب في الدعوة إلي الله ، ليس طلب المنصب لشيء شخصي وإنما لمنفعة دينية ولمنفعة عامة وليست خاصة . ثم أنه ما في واحد أقدر من يوسف علي تولي هذا المنصب .
فيجوز للأقدر أن يتقدم إذا كانت نيته نفع المسلمين .

45- أن الله يُمَّكِن للصالحين إذا حَسُنَت نواياهم . قال تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ) . لما سُئِل الشافعي أيهما أفضل أيُبتلى أم يُمَّكن ؟
أي السؤال أيهما أفضل للمسلم أيبتلى ويصبر علي الابتلاء وعلي الأذى والاضطهاد و كذا وكذا ويُؤجَر عليه أو الأفضل أن يُمَّكن حتى يستفيد من التمكين في نشر الدين ونشر الدعوة ؟ إيش الأفضل ؟ قال الشافعي عبارة عظيمة ( لا يُمَّكن حتى يبتلى ).
ليس هناك تمكين يأتي هكذا من الهواء والنبي صلي الله عليه وسلم ما مُكِن في المدينة حتى أبتلي في مكة وكذلك الصحابة ويوسف مثال….. متى مُكِن ؟ بعدما أبتلي بالجب وبالسجن وبالذل وبالعبودية.... أولاً رموه في الجب فصبر على كيد أخوته وظلم أولي القربى أشد فظاظة على النفس
ظلمه أقرب الناس له أخوته وكاد يموت ويهلك و بعدين أخذوه وبيع عبدا وعانى ذل العبودية واشتغل خادم ودخل السجن ثم لما صبر علي كل هذه جاء التمكين فما جاء التمكين ليوسف هكذا مباشرة قال الشافعي ( لا يُمَّكن حتى يبتلى ) سنة الله في الدعوات وهكذا حصل لأنبياء الله والأولياء 0 يعني موسى تغلب علي فرعون بعد إيش ؟
ابتلاءات كثيرة (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:129) كلها ابتلاءات وهذا ما حصل بعد ذلك
(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ) (الأعراف:137) لكن بعد الابتلاء
والنبي صلي الله عليه وسلم كم أوذي بالحصار والجوع والتعذيب وقتل أصحابه وكان يُضرب الصحابي حتى لا يستطيع أن يستوي قاعدا من الضرب ويُقال له هذا الجُعل إلهك فيقول نعم من التعذيب وهكذا حتى أن الله مكنهم .

46- اجتمع ليوسف الثلاث أنواع من الصبر . هم :
الصبر على طاعة الله .
والصبر عن معصية الله .
والصبر على أقدار الله المؤلمة .
وهذا الصبر درجات فالصبر على طاعة الله وعن معصية الله أعلى درجه من الصبر على أقدار الله المؤلمة لماذا ؟
لأن الصبر على أقدار الله المؤلمة مالك فيه حيله إلا الصبر .ماذا تفعل إلا الصبر ؟ لا يمكن .
شيء مقدور وقع وانتهى مالك الآن فيه إلا الصبر . أما الواجب والمحرم فعندك خيار في فعل الواجب أو عدم فعل الواجب…… في ارتكاب المحرم أو عدم ارتكاب المحرم…. فتكون مجاهدة النفس فيه أقوى أما المقدور مالك فيه إلا حبس النفس عن التشكي والصخب والنياحه ونحو ذلك . لكن فعل الواجب وترك المحرم والصبر على فعل الواجب مثل الصبر على صلاه الفجر وهذا مثلا واجب كما الصبر عن الزنا وهو محرم أكمل أجراً ومنزله عن الصبر على أقدار الله المؤلمة….. ولو سألنا سؤالا فقلنا أيهما أكمل…. صبر يوسف على السجن و إلقاء اخوته له في الجب اكمل أم صبره عن الزنا بامرأة العزيز أكمل ؟ بناء على ما تقدم يكون الصبر عن الزنا أكمل وافضل أجرا
فاجتمع ليوسف عليه السلام الثلاث أنواع كلها فإنه صبر على طاعة الله ولا زال على صله بربه وحتى لما تسلم المنصب صبر على طاعة الله ولم يُطغه منصبه فهو يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم تولى فعدل وحكم فكان من المقسطين .
ما هو الفرق بين القاسط والمقسط ؟ القاسط هو الظالم قال تعالى ( وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجـن:15)
أما المقسط قال تعالي ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (المائدة:42) ( إن المقسطين على منابر من نور وما ولوا ) فإذا تولوا ولاية عدلوا فيها وبين أولادهم وزوجاتهم يعدلون .
فيوسف تولى الولاية وصبر وأمره الله بما أمره به وصبر وحصلت له فرصه للوقوع في المحرمات فصبر ولم يقع فيها وتعرض للإيذاء والاضطهاد والأشياء المؤلمة فصبر فكان يوسف عليه السلام قد اكتمل له الصبر من جميع الجهات.

(وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ (60) قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62))

47- لو قال قائل كيف عرفهم وهم لم يعرفوه ؟ فالجواب أنه فارقهم وهو صغير وهم كبار فالصغير يتغير عليك إذا رأيته بعد عشر سنوات لكن أنت لا تتغير كثيرا إذا كنت كبيرا فلو مثلا واحد عمره ثلاثين ثم رأيته عمره أربعين ما يتغير عليك كثيرا لكن إذا رأيته عمره عشره وبعد ذلك رأيته عمره عشرين تغير عليك كثيرا مع إن العشر سنوات هي هي . إذاً هو عرفهم وهم لم يعرفوه لأنه فارقهم وهو صغير وهم كبار فلما رآهم بعد هذه المدة عرفهم
يعني عد كم جلس في قصر العزيز وكم جلس في السجن وكم جلس وزيرا حتى جاءوا إليه بعد سبع سنوات سمان لما بدأت العجاف جاءوا يطلبون المدد إذاً أقل شيء عندك واحد وعشرون سنه تقريباً ……… لبث في السجن بضع سنين وهذه سبع سنوات سمان غير المدة التي قضاها بعد الجب وشروه بثمن بخس وفى قصر العزيز مده فهي قرابة واحد وعشرين سنه تغير يوسف عليهم كثيراً .
ثم هم عددهم معروف وإذا كان بعضهم تغير فبعضهم لم يتغير كثيراً فلما وجد العدد وهم لم يتغيروا كثيرا عليه ولا شك أنه صاحب فراسة أكثر منهم وهو يتوقع أن يأتوا وهم لا يتوقعون إطلاقا أن الذي رموه في الجب هو الآن وزير . فهذه العوامل مجتمعه من أسباب انه عرفهم وهم له منكرون .

48- ذكاء يوسف عندما قال (قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ).
لما جهزهم بجهازهم وأعطاهم من الميره وما يحتاجه المسافر قال ائْتُونِي بأخ لكم من أبيكم….. وقيل إن هذا حصل بأنه استدرجهم ليقصوا عليه قصته يعنى من أين أنتم ؟ ومن أنتم ؟ ومن أهلكم ؟ ومن أبوكم ؟ كم عدد الأولاد ؟ كم عدد أفراد الأسرة ؟ هذا شيء وارد أن يسأل وزير التموين أو الشخص المكلف بتوزيع الحصص أو الميره في السنوات العجاف أن يسأل عن عدد أفراد الأسرة لكي يعطيهم على حسب عدد الأسرة . فلما قالوا باقي واحد في البيت فقال حتى أصدقكم هاتوا هذا الذي تقولون أنه باقي في المرة القادمة حتى تكونوا صادقين في الادعاء وإلا لا أعطيكم شيئا أبدا فأوجد عندهم الحافز بأن يأتوا بأخيهم لأنه اشتاق إليه ويريد أن يراه وعلى أية حال يوسف مؤيد بالوحي فما يفعله من الأمور في عدد منها يحتمل أنه وحي من عند الله أوحى به إليه .

49- إكرامُ الضيف وتزويدٌ المسافر بما يحتاج (أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ) وأنه ينبغي على المسلم أن تكون هذه عادته المستمرة .( أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ) لكم ولغيركم .

50- جواز اتخاذ الحيلة المباحة للتوصل للمقصود المباح .
فإنه قال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم يعنى الأوعية التي جعلوا فيها الطعام والبضاعة التي وصلوا بها من بلادهم ليشتروا بها الطعام.... اجعلوها في رحالهم وأعيدوها فيها حتى إذا انقلبوا إلي أهلهم وفكوا المتاع عرفوا ذلك بأنهم أخذوا الطعام منا بلا ثمن فيحملهم ذلك زيادة على العودة .فإذا اكتشفوا ذلك سيقولون نسوا أن يأخذوا منا الثمن . الآن لابد أن نرجع ونعيد الثمن إليهم ....يوسف يريدهم أن يرجعوا بأخيه (اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). فتوصل بالحيلة المباحة إلى المقصود المباح .
لأن بعض الناس قد يكون عندهم قصد مباح ويتخذ إليه وسيله محرمه . مثلاً يقول أريد أن آتى بزوجة لابد لي من شهادة زور فيكذب أو يزور لأجل هذا ، وهذا لا يجوز وأخبث الناس من يتوصل إلي الحرام بوسيلة حرام كمن يتوصل إلي الزنا بالتعارف المشبوه أو الكلام مع النساء الأجنبيات وغير ذلك فالوسيلة حرام والقصد حرام وبعض الناس قد يقول أنا أريد أن أتحدث مع النساء لأتوصل إلي زوجه فقد يكون يريد الزواج لكن الوسيلة حرام وإبليس يغويه فيجعل قصده حرام والوسيلة حرام فلابد إذاً إن يكون المقصود حلال والسبيل إليه حلالا.

(فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64))

51- أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين فقال (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ) فالمؤمن كيس فطن لذلك يعتبر بما أصابه في الماضي ويمتنع عليه إن يحصل له مثلما حصل له من قبل بفطنته وذكاءه ولا يكون مُغفلاً .

52- أن التوكل على الله هو السبب في دفع المكروهات . فإن يعقوب لم يقل لن أرسله معكم فقط بل اعتمد على الله (فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فتوكل يعقوب على الله عز وجل .

(وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66))

53- أن الإكرام-إكرام الناس- وسيله إلى جذبهم .
قال الشاعر ( أحسن إلي الناس تستعبد قلوبهم ) لكن هذا البيت فيه أمور خطيرة لأنه قال تستعبد قلوبهم ونحن نؤمن أن العبودية لله . فالإنسان يستميل القلب بالمعروف نعم لكن لا يستعبد لأن العبودية هذه لله فلا يجوز للإنسان إن يستعبد غيره لا بالإحسان ولا غيره .
إذا الإحسان يستميل قلوب الناس ولذلك قالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) هذا الرجل أكرمنا جدا أكرمنا لما قدمنا عليه وهذه بضاعتنا ردت إلينا فأرسل معنا أخانا .

54- أن الإنسان إذا رأى أنه محتاج لفعل أمر لكن فيه نسبه مخاطره مع شخص أخر لأن فيه شئ من عدم الثقة . فإن أخذ الموثق من الله … وأن يقول له عاهدني بالله العظيم أن تفعل كذا ولا تفعل كذا…… أن ذلك مما يقلل نسبه المخاطرة لذلك يعقوب قال( لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ) الموثق الميثاق مثل أن يحلفوا له بالله العظيم أنهم يردون أخاهم ويرجعونه (لَتَأْتُنَّنِي بِهِ)

55-أن الإنسان إذا غُلِبَ على أمره فهو معذور وهذا من فقه يعقوب حينما قال إلا أن يُحَاط بكم . فهو صح أن يطلب منهم أن يردوا أخاهم لكن فيما يقدرون عليه لكن إذا غُلِبوا ولم يستطيعوا أبداً فهم معذورون (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَاَ) (البقرة:286)
56- أن إعلان التوكل على الله بعد إبرام العقود مما يُزيدها بركه وخيرا وتذكيرا للطرفين بما تعاقدا عليه فماذا قال يعقوب ( قال الله على ما نقول وكيل ) توكلنا على الله وماذا قال موسى للرجل الصالح حينما قال لموسى (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (القصص:27)قال موسى (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص:28) فهاتان كلمتان من نبيين بعد إبرام العقود…….. إذاً الإنسان إذا أراد إن يُبرم عقداً مهما في العقود فإنه يبين التوكل على الله ليكون هذا واضح بين الطرفين وهذه عبارة أنبياء ينبغي أن يُقتضي بهم فيها إذا أبرمت عقدا أو اتفاق فقل والله على ما نقول وكيل . فكل منهم يعظ نفسه بالله إن الله رقيب مطلع يشاهد ويشهد على هذا العقد وعلى الاتفاق وعلي هذا الميثاق.

(وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (68))

57- أن أخذ الأسباب للوقاية من العين أمر مشروع بدون وسوسه فإن يعقوب قال لأبنائه (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) أولاد يعقوب كان فيهم جمال وهم عدد وذكور وإذا صار الواحد عنده ذكور وعدد وفيهم جمال هذه مجلبه للعين ولذلك يكون عدم ظهورهم كلهم معاً في مكان واحد أحسن .

58- أن الإنسان المسلم عليه أن يدفع الريبة عن نفسه …..يعني إذا كان تصرف معين يجعل الناس يرتابون فيك فلا تفعل……. البلاد من زمان كان لها سور والسور له باب يدخل البلد ناس يخرجون ناس والأبواب تغلق في وقت معين يعنى لو جاءت قافلة بالليل تنام عند الباب لثاني يوم الصبح … فدخول هؤلاء العدد (إحدى عشر) من باب واحد مرة واحدة …دفعة واحدة… ممكن يثير الريبة أن هؤلاء يريدون شراً يريدون أمراً.. عصابة…. ولذلك قال (لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) فليس فقط من أجل قضيه العين وإنما من أجل ألا يثيروا الريبة فيهم… لئلا يظن بهم ظن سوء ….أنهم لصوص ..يريدون أمراً خطير .
لذلك ينبغي على المسلم إذا كان بإمكانه أن يدفع الريبة عن نفسه عليه أن يفعل ذلك ولا يتصرف تصرفا يثير الشبهة فيه .

59- أن اتخاذ الأسباب لا يمنع من وقوع قدر الله . فإن القدر إذا كان سيقع فسيقع لكن العقل والشرع يقتضيان الأخذ بالأسباب لكن لابد أن يعرف الذي يتخذ السبب أن السبب لن يحول بينه وبين وقوع القدر إذا كان الله قد قضى من قبل أن القدر سيقع ولذلك قال يعقوب من فقهه- (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ )- (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ) ممكن يقع بهم المكروه .
ما هي النسبة الأكبر ؟ أن يقع بك المكروه إذا اتخذت الأسباب لمنعه ؟ أم إذا ما اتخذت الأسباب لمنعه أي النسبتين أكبر ؟ إذا ما اتخذت الأسباب لأن المكروه سيقع بك بنسبه أكبر… ولذلك فإن الأخذ بالأسباب لا ينافى التوكل على الله لكن السبب لا يمنع بالضرورة قدر الله إذا كان الله عز وجل قد قضاه . قيل لابن عباس لما تكلم مره في القضاء والقدر قيل له: هذا الهدهد يري مكان المياه في باطن الأرض فما بال الطفل يصيده ؟ - أي له قدره غريبة علي معرفة مكان الماء وقيل أن سليمان كان يستعين به في الأسفار من أجل معرفة مكان الماء - قال بن عباس: لا يُغنى حذر من قدر ……..إذاً اتخاذ الأسباب الشرعية مطلوب لكن لابد أن تعتقد أن السبب لا يمنع القضاء إذا أراد الله أن يُنزِلَه .

(وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) ) .

60- إكرام الأخ أخاه . قيل نزل كل اثنين في غرفه فتبقى واحد وهو أخوهم الصغير لأن عددهم فردى ( إحدى عشر) وقال (قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ) تأكيد.. فعرفه بنفسه…. وأكيد أن هذا الصغير يعرف أن له أخ أسمه يوسف ربما كان يعرف أيضا القصة (إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فلعله طلب منه أن يُخفى أمره . الشاهد أنه أواه إليه وأكرمه وكيف لا يكون الإكرام وقد فرقت السنون بينهم في هذه المدة الطويلة .

61- أن يوسف عليه السلام أراد أن يأخذ أخاه بالحيلة الشرعية ولا يريد أن يأخذ أخاه على حسب دين الملك الجاهلي وإنما على حسب شريعة يعقوب 00 في شريعة يعقوب كان السارق يؤخذ عبداً عند المسروق منه 00 فأراد ذلك بحيله فماذا فعل ؟ لما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه - (بعض المغفلين قرأ جعل السقاية في رجل أخيه ) - ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون فاقبلوا عليهم ماذا تفقدون ؟ قالوا نفقد صواع الملك .

62- أن الجعاله مشروعه وهى أن تقول من وجد ضالتي فله ألف ريال مثلا هذا جُعل تجعل مبلغ مقطوع لمن فعل لك شيء معين…. هذه غير الاجاره فالاجاره العمل فيها معلوم والجعاله العمل فيها غير معلوم . ففي الاجاره لا تقول من وجد بعيري ..لأن وجدان البعير ممكن يأخذ ساعة ممكن يأخذ سنه وأنت تبحث عن بعير الرجل . لكن لا يجوز أن يكون الجعل مجهولا ( من وجد محفظتي فله ما فيها ) يمكن يطلع فيها ريال ويمكن يكون فيها ألف
إذاً لابد من عقد الجعاله أن يكون الجعل معلوم ولو كان العمل مجهول . قالوا (وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) وحمل البعير معلوم أنه يحمل خمسين كيلو مثلاً من الطعام أو القمح .

63- ( وأنا به زعيم ) جواز عقد الكفالة . يعنى كفيل بحِمْل البعير فهذان عقدان بكلمتين من القرآن فهذا من بلاغه القرآن في كلمات بسيطة جدا مشروعيه عقد الجعاله والكفالة ثم بعد ذلك استدرجهم يوسف عليه السلام (فَمَا جَزَآؤُهُ)أنتم احكموا (قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ) الذي يوجد في رحله هو نفسه جزاؤه أي يُؤخذ عندنا عبداً .

(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاء أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاء أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ (77))
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع