شياطين الإنس والجن

[عمر محمود أبو أنس]

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
يقول تعالى :" وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" الأنعام -112

جاء في التفسير الميسر ( وكما ابتليناك -أيها الرسول- بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع الأنبياء -عليهم السلام- بأعداء مِن مردة قومهم وأعداء من مردة الجن، يُلقي بعضهم إلى بعض القول الذي زيَّنوه بالباطل؛ ليغتر به سامعه، فيضل عن سبيل الله. ولو أراد ربك -جلَّ وعلا- لحال بينهم وبين تلك العداوة، ولكنه الابتلاء من الله، فدعهم وما يختلقون مِن كذب وزور.)

ولكل إنسان قرينه من الجن ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ من صحيح السنة قوله عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ) قِيلَ: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أَنَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ)

وإنّ من طرق تزيين الشياطين للمنكر زخرف القول ، وتسمية الأشياء بغير مسمّياتها ، وهذا أسلوب قديم حديث في الإغواء ، قال تعالى " يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ " قال السعدي ( يزخرفون العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء، وينقاد له الأغبياء، الذين لا يفهمون الحقائق، ولا يفقهون المعاني، بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة، والعبارات المموهة، فيعتقدون الحق باطلا والباطل حقا)
وأمّا الطريق الثاني للإغواء فهو الخداع والأخذ على غرة وغفلة ، وفي تفسير ابن عاشور لقوله تعالى " يوحي بعضهم إلى بعض " الوحي : الكلام الخفي ، كالوسوسة ، وأريد به ما يشمل إلقاء الوسوسة في النّفس من حديث يُزوّر في صورة الكلام
وفي قوله أيضا " يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ " : أي يلتقون في كل حين ، فيقول [ شيطان ] الإنس [ لشيطان ] الجن : أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثله ، وتقول شياطين الجن لشياطين الإنس كذلك ، فذلك وحي بعضهم إلى بعض" ( تفسير البغوي )

وقد وصفت الأية الكريمة العلاقة بين المؤمن والشياطين بالعداوة في قوله تعالى :" وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا " وفي هذا تسلية للنبي لما يلقاه من عداوة قومه ، فليس هو أول من يُكذّب أو يلحقه الأذى من قومه ، ولقد كان من قول ورقة بن نوفل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي . وذلك ليعلم المؤمن أنه سيلقى الابتلاءات والعوائق في طريق الحق فيأخذ عدته من الحذر والصبر

وأثبتت الآية الكريمة أنّ في الإنس شياطين كما في الجن شياطين ، فعن أبى ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس. قد أطال فيه الجلوس فقال: «يا أبا ذر هل صليت؟ قلت: لا يا رسول الله. قال: قم فاركع ركعتين قال: ثم جئت فجلست إليه فقال: يا أبا ذر، هل تعوذت بالله من شياطين الجن والإنس؟ قال: قلت لا يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم، هم شر من شياطين الجن» .
وقال مالك بن دينار : إن شياطين الإنس أشد علي من شياطين الجن ، وذلك أني إذا تعوذت بالله ذهب عني شيطان الجن ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرني إلى المعاصي عيانا .

ورغم كيد شياطين الإنس والجن فإن الله يبطله ولا يغفل عنه ، ويحمي عبده المؤمن منه ، قال تعالى : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ۖ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " : أَيْ: لو شاء الله لما كانت هذه الوسوسة ولما كانت هذه العداوة ، فاتركهم وما يفترون من الكذب والكفر ، وذلك ابتلاء واختبارا منه سبحانه وتعالى فَإنَّ اللهَ يُخْزِيهِمْ، ويَنْصُرُكَ عليهم.
وكلمة ﴿رَبُّكَ﴾ توحي بِما عند الله لنبيّهَ مِن حُسْنِ التَّرْبِيَةِ وغَزِيرِ الإحْسانِ مَعَ ما عنده مِن تَمامِ العِلْمِ وشُمُولِ القُدْرَةِ، أنْ لا يَفْعَلُوهُ ( تفسير البقاعي )

وأخيرا .. فإن النجاة من هؤلاء الشياطين يكون بكثرة الاستعاذة بالله منها ومن شرورها ، كما قال تعالى :" وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ "

وقانا الله وإياكم من شر شياطين الإنس والجن .... اللهم آمين
هذا والله أعلم ​

 

[ابو العزام]

بارك الله فيك

 

[راضِي]

شكرا جزيلا