إعلانات المنتدى


وقفة قرآنية " ولا تطرد الذين يدعون ربهم "

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

عمر محمود أبو أنس

عضو كالشعلة
3 ديسمبر 2020
318
145
43
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الباسط عبد الصمد
علم البلد
يقول الله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: 52].

أورد الإمام مسلم في «صحيحه» أثرًا في سبب نزول هذه الآية، فقد روى بسنده إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترءون علينا..! قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل، وبلال ورجلان نسيت اسميهما، فوقع في نفس رسول الله ما شاء أن يقع فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.

  • يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: لا تطرد عنك وعن مجالستك أهل العبادة والإخلاص ـ رغبة في مجالسة غيرهم ـ فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض، بل مستحقون لموالاتهم ومحبتهم وإدنائهم وتقريبهم لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا عند الناس أذلاء.
  • قوله ( يريدون وجهه ) : “يقول سيد قطب : لا تطرد هؤلاء الذين أخلصوا نفوسهم لله، فاتجهوا لعبادته ودعائه في الصباح والمساء يريدون وجهه.. سبحانه! ولا يبتغون إلا وجهه ورضاه.
وهي صورة للتجرد، والحب، والأدب؛ فإن الواحد منهم لا يتوجه إلا إلى الله وحده بالعبادة والدعاء. وهو لا يبغي وجه الله، إلا إذا تجرد. وهو لا يبغي وجه الله وحده حتى يكون قلبه قد أحب. وهو لا يفرد الله سبحانه بالدعاء ابتغاء وجهه إلا ويكون قد تعلم الأدب، وصار ربانيًّا يعيش لله وبالله..

  • ليس التفاضل بالمال والجاه : عندئذ نفر المستكبرون المستنكفون يقولون: كيف يمكن أن يختص الله من بيننا بالخير هؤلاء الضعاف الفقراء؟ إنه لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقونا إليه؛ ولهدانا الله به قبل أن يهديهم..! فليس من المعقول أن يكون هؤلاء الضعاف الفقراء هم الذين يمنُّ الله عليهم من بيننا، ويتركنا ونحن أصحاب المقام والجاه..!
هنا تتبدَّى الجاهلية .. بعصبية النسب والجنس واعتبارات المال والطبقة، وما إلى ذلك من اعتبارات؛ هؤلاء بعضهم ليسوا من العرب! وبعضهم ليسوا من طبقة الأشراف! وبعضهم ليسوا من ذوي الثراء!.. ذات القيم التي تروج في كل جاهلية! والتي لا ترتفع عليها جاهليات الأرض اليوم في نعراتها القومية والجنسية والطبقية!
  • الحذر من أن تكون من الظالمين : ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تفسيره لهذه الآية: أن الرجل الصالح قد يصل إلى درجة الظالمين عندما يطرد الصالحين من مجلسه أو يؤذيهم
  • للعالم وطالب العلم أن يرفق بالناس شبابًا وشيبًا عندما يسألون عن دينهم أو يستشيرون في دنياهم، والحذر المضني من العلماء وطلبة العلم أن يغلِّظوا عليهم أو ينهروهم أو يطردوهم، وقد يكون صاحب السؤال من أولياء الله الصالحين؛ فيكون طردهم أو نهرهم من الظلم والعدوان، وفي الآية دليل على العناية بالباحث وطالب العلم
  • في الآية رفعة ذكر الله وابتغاء وجهه ، وفي هذا فضل الإكثار من ذكر الله تعالى وابتغاء وجهه، ولاسيما طرفي النهار، وأن ذلك من علامات الإيمان، ومن علامات محبة العبد لربه سبحانه.
  • فضل الجلوس مع الصالحين : وصبر النفس معهم، لاسيما الضعفاء منهم، لما في ذلك من تزكية للقلوب، وإخلاصها لله تعالى وبما في مجالسهم من ذكر لله عز وجل ودعائه، الأمر الذي ينعكس أثره على من يحضر هذه المجالس في ظاهره وباطنه، وعلى العكس من ذلك ما يكون من الآثار السيئة الناجمة عن حضور مجالس الشر والسوء وقول الباطل، المتكبرين على الحق الغافلة قلوبهم عن ذكره سبحانه، وما فيها من القسوة وفساد الحال، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].
خاتمة .. موازين الإسلام الخاصة : في هذه الآية يرسم الله عز وجل لنا الميزان الحق للتكريم والمحبة، وأنه يقوم على أساس التقوى والإيمان؛ وميزان الإهانة كذلك. فالتقي المؤمن هو المحبوب الكريم المرفوع عند الله عز وجل وعند المؤمنين دون النظر إلى جنسه أو لونه أو جاهه أو غناه وفقره، والمُهان المخفوض المبغوض هو المُعرض عن ربه المتكبر على شرعه، مهما كان غناه وجنسه وجاهه في الدنيا، قال تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: 13]،

فما أنقاه وأزكاه من ميزان، وما أخسَّ وأقبح موازينَ الجاهلية الملطخة بالطين والتراب..! والحمد لله الذي هدانا لميزانه الذي هو أقوم.

منقول بتصرف
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع