- 28 مايو 2007
- 5,869
- 35
- 0
- الجنس
- ذكر
مقتطفات من مقال الشيخ في مجلة المجتمع - العدد 1767
زرت طرابلس الشام سنة 1400ه -1979م، وكان سبب تلك الزيارة، أن جدي لأبي تزوج امرأة من أعمال طرابلس بعد وفاة جدتي يرحمهما الله تعالى، واشترى بيتاً جميلاً هناك ودعا أفراد العائلة لقضاء الصيف في هذا البيت، وكانت هذه المرة الثانية التي أزور فيها لبنان، وزرتها في المرة الأولى طفلاً سنة 1389ه-1969م وكانت الرحلة بالسيارة من جدة إلى المدينة ثم إلى عمان فدمشق فطرابلس.
... ثم إني لمّا وصلت إلى طرابلس صعدت جبل الضنيّة فكان الجبل في حلة قشيبة من البهاء والجمال، مكسواً بالخضرة الجميلة، والماء يجري في السهول والوديان، فكان منظراً أخّاذاً شدني بقوة، ثم وصلت إلى بلدة سِير، وهي في حضن هذا الجبل، فيها جداول من الماء البارد، بل شديد البرودة هذا ونحن في أغسطس! وكنا إذا وضعنا البطيخ في تلك الجداول تشقق من شدة البرودة، وكنت لا أستطيع البقاء في شرفة المنزل طويلاً لبرودة الهواء.
ولما جاء رمضان عجبت من أمرين اثنين: من صلاة التراويح، ومن حال المنظمات الفلسطينية! أما هذه فقد كنت أمر عليهم فإذا ببعضهم يدخن في نهار رمضان!! فكان أمراً جديداً عليّ لم أكن أتوقعه أبداً، وإنما ذكرت هذا لنعلم فضل الله تبارك وتعالى على الفلسطينيين اليوم حيث داخلتهم الصحوة، وبرز الإسلاميون حجر عثرة أمام كل مخططات اليهود وأعوانهم وأشباههم، وانتقل حال أكثر الفلسطينيين من النقيض إلى النقيض، ولله الحمد والمنة.
إمام وقور
أما أمر صلاة التراويح فقد كان مفاجئاً لي، وذلك أني كنت أصلي مع بني عمي في جامع البلدة، والإمام وقور ذو لحية بيضاء طويلة، له هيبة وجلال اجتمع مع جمال، وهذا أكمل ما يمكن أن يكون، فلما صلى صلى بنا ثلاثاً وعشرين ركعة فلم يكمل نصف سورة الرحمن!! فكان يقرأ الفاتحة ثم يقرأ: الرحمن (1) علم القرآن (2) (الرحمن) فيركع، وفي الأخرى: خلق الإنسان (3) علمه البيان (4) ثم يركع وهكذا، فصلينا 23 ركعة في أقل من نصف ساعة!
لكن سبحان الله كم كان لهذا الرجل من تأثير في نفسي لكبر سنه وجلالته ومهابته، وجمال قراءته، وكان لجلالته وجمال خلقته، مع جمال ما يحيط بالجامع من مناظر خلابة، مع عذوبة الماء البارد الذي نشربه بعد صلاة التراويح من أمام المسجد نازلاً من الجبل، مع طعامهم اللذيذ المتنوع كان لكل ذلك انطباعات مؤثرة في نفس الشاب الصغير الذي لم يكن بعد قد رأى من الدنيا إلا القليل.
مظاهر إسلامية
ولما نزلت إلى طرابلس أُعجبت بالهيئة العثمانية لأسواقها ومبانيها، وهي بلدة يغلب عليها الطابع الإسلامي، فالحجاب كان فيها ملحوظاً، وبعض المساجد تختم القرآن في تراويح رمضان، والمظاهر الإسلامية لا تخطئها العين، وكان يكدر ذلك الصفاء، وجود قوات الردع السورية وتجاوزاتها، والسلاح الذي كان منتشراً في كل مكان وبأيدي الكثيرين، مما نغّص على مثلي ممن لم ير السلاح قط في حياته إلا ابتداء من تلك الزيارة!
غابات فاكهة: ومما رأيته في غابات الضنية مما لم أره في مكان آخر إلى الآن أن أغلب أشجارها هي أشجار فواكه بينما كل الغابات التي رأيتها في أماكن كثيرة من العالم بعد ذلك هي غابات أشجارها غير مثمرة، اللهم إلا غابات زيت النخيل في بلاد الملايو: إندونيسيا وماليزيا، وهذه ميزة الغابات الطرابلسية، فقد كنا نجول فيها ونقطف ثمار التفاح والخوخ والبرقوق واللوز الأخضر فيما أذكر والكمثرى (الأجاص) والمشمش إلى آخره، نقطفها باليد من غير عناء يذكر، ولولا أن الأحوال الأمنية في لبنان ليست مشجعة على الذهاب لجددت العهد بتلك المغاني، ولأنست مرة أخرى بتلك الربوع، فما أجمل أن تسمع الأذان بصوت جليل وأنت في تلك الوديان والسهول. وما أحسن المساجد التي تؤمها للصلاة وهي في أحضان الجبال، وما أحسن البعد عن المكيفات الهوائية والعيش في بيئة طبيعية لا يعكر صفوك فيها شيء، خاصة أن مناظر العري التي يشاهدها المرء في أغلب دول العالم لا مكان لها في البيئة الطرابلسية المحافظة والتي تستحق أن توصف بالإسلامية على وجه التعميم والتغليب، ولولا أن الأحوال الأمنية صعبة لدعوت إخواني المسلمين للذهاب إلى جبل الضنية وسِير وطرابلس، فهي من أمثل الأماكن للعائلات، ومن أجملها وأكثرها بقاء على خلقتها وطبيعتها.
___
زرت طرابلس الشام سنة 1400ه -1979م، وكان سبب تلك الزيارة، أن جدي لأبي تزوج امرأة من أعمال طرابلس بعد وفاة جدتي يرحمهما الله تعالى، واشترى بيتاً جميلاً هناك ودعا أفراد العائلة لقضاء الصيف في هذا البيت، وكانت هذه المرة الثانية التي أزور فيها لبنان، وزرتها في المرة الأولى طفلاً سنة 1389ه-1969م وكانت الرحلة بالسيارة من جدة إلى المدينة ثم إلى عمان فدمشق فطرابلس.
... ثم إني لمّا وصلت إلى طرابلس صعدت جبل الضنيّة فكان الجبل في حلة قشيبة من البهاء والجمال، مكسواً بالخضرة الجميلة، والماء يجري في السهول والوديان، فكان منظراً أخّاذاً شدني بقوة، ثم وصلت إلى بلدة سِير، وهي في حضن هذا الجبل، فيها جداول من الماء البارد، بل شديد البرودة هذا ونحن في أغسطس! وكنا إذا وضعنا البطيخ في تلك الجداول تشقق من شدة البرودة، وكنت لا أستطيع البقاء في شرفة المنزل طويلاً لبرودة الهواء.
ولما جاء رمضان عجبت من أمرين اثنين: من صلاة التراويح، ومن حال المنظمات الفلسطينية! أما هذه فقد كنت أمر عليهم فإذا ببعضهم يدخن في نهار رمضان!! فكان أمراً جديداً عليّ لم أكن أتوقعه أبداً، وإنما ذكرت هذا لنعلم فضل الله تبارك وتعالى على الفلسطينيين اليوم حيث داخلتهم الصحوة، وبرز الإسلاميون حجر عثرة أمام كل مخططات اليهود وأعوانهم وأشباههم، وانتقل حال أكثر الفلسطينيين من النقيض إلى النقيض، ولله الحمد والمنة.
إمام وقور
أما أمر صلاة التراويح فقد كان مفاجئاً لي، وذلك أني كنت أصلي مع بني عمي في جامع البلدة، والإمام وقور ذو لحية بيضاء طويلة، له هيبة وجلال اجتمع مع جمال، وهذا أكمل ما يمكن أن يكون، فلما صلى صلى بنا ثلاثاً وعشرين ركعة فلم يكمل نصف سورة الرحمن!! فكان يقرأ الفاتحة ثم يقرأ: الرحمن (1) علم القرآن (2) (الرحمن) فيركع، وفي الأخرى: خلق الإنسان (3) علمه البيان (4) ثم يركع وهكذا، فصلينا 23 ركعة في أقل من نصف ساعة!
لكن سبحان الله كم كان لهذا الرجل من تأثير في نفسي لكبر سنه وجلالته ومهابته، وجمال قراءته، وكان لجلالته وجمال خلقته، مع جمال ما يحيط بالجامع من مناظر خلابة، مع عذوبة الماء البارد الذي نشربه بعد صلاة التراويح من أمام المسجد نازلاً من الجبل، مع طعامهم اللذيذ المتنوع كان لكل ذلك انطباعات مؤثرة في نفس الشاب الصغير الذي لم يكن بعد قد رأى من الدنيا إلا القليل.
مظاهر إسلامية
ولما نزلت إلى طرابلس أُعجبت بالهيئة العثمانية لأسواقها ومبانيها، وهي بلدة يغلب عليها الطابع الإسلامي، فالحجاب كان فيها ملحوظاً، وبعض المساجد تختم القرآن في تراويح رمضان، والمظاهر الإسلامية لا تخطئها العين، وكان يكدر ذلك الصفاء، وجود قوات الردع السورية وتجاوزاتها، والسلاح الذي كان منتشراً في كل مكان وبأيدي الكثيرين، مما نغّص على مثلي ممن لم ير السلاح قط في حياته إلا ابتداء من تلك الزيارة!
غابات فاكهة: ومما رأيته في غابات الضنية مما لم أره في مكان آخر إلى الآن أن أغلب أشجارها هي أشجار فواكه بينما كل الغابات التي رأيتها في أماكن كثيرة من العالم بعد ذلك هي غابات أشجارها غير مثمرة، اللهم إلا غابات زيت النخيل في بلاد الملايو: إندونيسيا وماليزيا، وهذه ميزة الغابات الطرابلسية، فقد كنا نجول فيها ونقطف ثمار التفاح والخوخ والبرقوق واللوز الأخضر فيما أذكر والكمثرى (الأجاص) والمشمش إلى آخره، نقطفها باليد من غير عناء يذكر، ولولا أن الأحوال الأمنية في لبنان ليست مشجعة على الذهاب لجددت العهد بتلك المغاني، ولأنست مرة أخرى بتلك الربوع، فما أجمل أن تسمع الأذان بصوت جليل وأنت في تلك الوديان والسهول. وما أحسن المساجد التي تؤمها للصلاة وهي في أحضان الجبال، وما أحسن البعد عن المكيفات الهوائية والعيش في بيئة طبيعية لا يعكر صفوك فيها شيء، خاصة أن مناظر العري التي يشاهدها المرء في أغلب دول العالم لا مكان لها في البيئة الطرابلسية المحافظة والتي تستحق أن توصف بالإسلامية على وجه التعميم والتغليب، ولولا أن الأحوال الأمنية صعبة لدعوت إخواني المسلمين للذهاب إلى جبل الضنية وسِير وطرابلس، فهي من أمثل الأماكن للعائلات، ومن أجملها وأكثرها بقاء على خلقتها وطبيعتها.
___