إعلانات المنتدى


مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير (آدَابُ المُــفَـــسِّـــرِ)

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

يوسف الجزائري

عضو كالشعلة
25 أغسطس 2007
451
1
0
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
ماهر حمد المعيقلي
مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير
آدَابُ المُــفَـــسِّـــرِ.

بقلم : فضيلة الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات-حفظه الله-

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فالمقصود بالمفسّر الّذي يُطالَب بهذه الآداب والشّروط هو من يفسّر القرآن ابتداءً، أو يرجّح قولا على قول من كلام المفسّرين، وثمرة معرفة هذه الشّروط والآداب أن يحسن الطّالب للتّفسير اختيار الكتب في ذلك.

وأهمّ هذه الآداب:
1-صحّة الاعتقاد: الاعتقاد في الله، واليوم الآخر، والأنبياء، والقدر، والملائكة، والكتاب، وذلك لا بدّ منه، فإنّ القرآن وإن سلم من تحريف ألفاظه، فإنّه لم يسلم من تحريف معانيه، لذلك جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (( فِيكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، كَمَا قَاتَلَ عَلَى تَنْزِيلِهِ )) [الصّحيحة (2487)]، ولا شكّ أنّه يقصد مقاتلة أبي بكر رضي الله عنه لأهل الردّة، ومقاتلة عليّ رضي الله عنه للخوارج.

وقد حذّر الله من هؤلاء في كتابه، فقال: (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه )) [آل عمران: من الآية7]، جاء في الصّحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )) قَالَ صلى الله عليه وسلم : (( فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ )).

فربّما فسّر كلام الله على غير مراده، كما هو حال أهل الإلحاد، من الباطنيّة والاتّحاد، أو أهل التّأويل كالمعنزلة والأشاعرة وغيرهم.

ألا ترى كيف فسّر الباطنيّة قوله تعالى: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ )) [الإسراء: من الآية23] أنّ المراد: حكم الله أنّه ما عبد أحد شيئا إلاّ وهو يعبد الله، فالمجوس لمّا عبدوا النّار ما عبدوا إلاّ الواحد القهّار، وكذلك تأويلهم لنصوص اليوم الآخر، وللأسماء والصّفات، وغير ذلك ممّا لا يُحصى.

2-التجرّد عن الهوى: فلربّما كان على اعتقاد سليم في باب الأسماء والصّفات والإيمان باليوم الآخر وغير ذلك، ولكنّه ابتُلي بالعصبيّة للمذهب والشّيخ، أو بالضّعف أمام سلطان الجاه والمال، فتراه يحمل آيات الله على وفق مراده، فيشتري بآيات الله ثمنا قليلا. كمن أحلّ قليل الرّبا مستدلاّ بقوله تعالى: (( لاَ تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً )) [آل عمران: من الآية130].

3-أن يفسّر القرآن بالقرآن والسنّة: فليس هناك أعلم بمراد الله تعالى من الله ورسوله ، فما أطلق في موضع ربّما قيّد في موضع آخر، أو في السنّة، وكذلك ما عمّم، وما أجمل، وهذا لا شكّ أنّه يتطلّب من المرء الاعتناء بالقرآن من أوّله إلى آخره، وبالسنّة رواية ودراية.

مثال على ذلك: قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّم) [المائدة: من الآية3]، لفظان عامّان، جاء في القرآن ما يقيّد كلاّ منهما، فميتة البحر قال تعالى فيها: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُم)[المائدة: من الآية96]، وقيّد الدّم بقوله في سورة الأنعام: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [الأنعام: من الآية145]. والسنّة خصّت من عموم القرآن كذلك، فقداروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ-والعلماء يرجّحون وقفه ولكنّه في حكم المرفوع-: (( أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ )).

والأمثلة من السنّة كثيرة جدّا، إمّا أن تخصّص العمومات كما ذكرنا، أو تبيّن المعنى، كتفسيره لقوله تعالى: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً) [الانشقاق:8] بأنّه مجرّد عرض الأعمال، وتفسيره للظّلم في قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] فسّره بالشّرك كما في قوله تعالى على لسان لقمان: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: من الآية13]، وغير ذلك من الآيات.

4-أن يفسّره بكلام الصّحابة ، فهم جمعوا بين أمرين عظيمين: حسن الفهم، وحسن القصد، وظهر من بعدهم: سوء الفهم وهو الجهل، وسوء القصد وهو الظّلم، فلا يُعدل إلى كلام غيرهم إن صحّ السّند إليهم، وعلى رأسهم تفسير الخلفاء الأربعة، وابن مسعود الّذي جاء في صحيح البخاري ومسلم عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ ). ومثله ابن عبّاس ، وقد مرّ معنا الحديث في " مسند الإمام أحمد "، ورواية البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ : (( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ ))، ويأتي بعدهم أبيّ بن كعب ، ثمّ غيرهم.

5-الاعتناء بأقوال التّابعين: فإذا لم يجد عن الصّحابة خبرا، ولم يلق لهم أثرا اعتمد كلام تلامذة هؤلاء الصّحابة:
فمن أشهر تلاميذ ابن عبّاس بمكّة: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان.
ومن أشهر تلاميذ ابن مسعود بالكوفة: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وقتادة بن دعامة، عامر الشّعبي.
وأشهر تلاميذ أبيّ بن كعب بالمدينة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمّد بن كعب القرظي.

6-العلم باللّغة العربيّة: فلا شكّ أنّ هذا لا بدّ منه لأنّ القرآن عربيّ، ولا يعني ذلك الاعتناء بالألفاظ الغريبة، ولكن لا بدّ أن يعرف أسلوب التّخاطب بين العرب، فإنّ الإنشاء قد يراد منه الخبر، والخبر قد يراد منه الإنشاء، ولا بدّ من معرفة ضوابط وشروط المجاز، كما أنّ المقصود من ذلك معرفة قدر لا بأس به من حياة العرب، ومن الأمثلة على ذلك: ( وما قتلوه يقينا )، و( ومن دخله كان آمنا )، و( حتّى يتبيّن لكم الخيط الأسود من الأبيض من الفجر )، ولذلك يروي ابن أبي حاتم في " تفسيره " بسند ضعيف والطّبريّ من طريق أخرى عن ابن عبّاس أنّه قال: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلاّ الله ".

7-العلم بالعلوم المتّصلة بالقرآن: كعلم النّاسخ والمنسوخ، والقراءات، وقواعد التّفسير، وأسباب النّزول.
دقّة الفهم، وهذا ما يسمّيه الشّافعيّ بجودة القريحة، كالاستنباط الّذي ينقل عن العلماء في كثير من الآيات، فقد استنبطوا أكثر من ثلاث وعشرين حكما من قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ .).[الآية من البقرة:233]، واستنباطهم من قوله تعالى: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ) أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، واستنباطهم من قوله تعالى: (وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) أنّ النّبيّ تقتله اليهود، وغير ذلك
وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليه
 

وسام الإسافني

مشرف سابق
15 أكتوبر 2005
2,341
1
0
الجنس
ذكر
رد: مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير (آدَابُ المُــفَـــسِّـــرِ)

بارك الله فيك
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع