رد: بعض أساليب الجدل والاستدلال في سورتي غافر وفصلت
الجدال في البعث والجزاء
الجدال في البعث والجزاء من الموضوعات المهمة التي شغلت الفكر الإنساني منذ القدم ،
وتصارعت فيها الأفكار بين السلب والإيجاب ، والإنسان بما هو مرتكز في فطرته من حب البقاء والخلود، تقاوم نفسه العدم والفناء الرهيب .
جاءت الأديان السماوية مبشرة بحياة أخرى بعد الموت ، وجعلت مصير كل إنسان مُرتهن بما قدّمت يداه في الحياة الدنيا ، وبذلك عادت للإنسانية الطمأنينة إذا هي آمنت بربها وبما جاءت به رسله
ولما كان الإقناع بحياة أخرى بعد الموت من الأمور التي تشغل الفكر الإنساني , فقد جاء القرءان الكريم وافيا بالأدلة والبراهين القاطعة على البعث والجزاء ، وعرض ذلك في نماذج حية، وضمّنها شُبه المنكرين للبعث ، ولم يتركها تمر دون مناقشة لها بالمنطق الصحيح , وإبطال الشبه والملابسات بالبراهين العقلية التي تزيل فكرة الفناء الأبدي ، وتعيد للإنسانية الطمأنينة وتدفعها للعمل .
وقد امتد الإنكار بالبعث والجزاء عبر القرون والأعصار الماضية ، واستمسك المنكرون بكثير من الشبهات
ومن شُبههم أنه يستبعدون بعد تفتت العظام وتحلل الجسد واختلاطه بالتراب ، إعادته ويستغربون من ذلك .
قال تعالى :
{ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم }
والجواب على هذه الشبهة يكون بالإحتجاج عليهم بقدرة الله تعالى الشاملة لكل شيء وبعلمه المحيط بكل شيء ،
فالذي أوجدها من العدم وأبدع خلقها أول مرة قادر على الإعادة
{ قل يحيها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم } يس/78
وقد ردّ القرءان على جميع منكري البعث مهما اختلفت بيئاتهم أو تنوعت أساليبهم بمنطق الحجة والبرهان ، وأقام البراهين الحسية والعقلية المادية على المعاد .
ومن البراهين الحسية استدلال القرءان بمن أماتهم الله ثم أحياهم
فأخبر مثلا عن قوم موسى الذين أخذتهم الصاعقة ، ثم بعثهم الله تعالى لعلهم يشكرون
قال تعالى :
{وإذ قلتم يا موسى لن نومن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون . ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون } البقرة/ 56 .
وحكى عن المضروب بعضو من أعضاء البقرة ، فأحياه الله ليدل على قاتله
قال تعالى :
{ فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم ءاياته لعلكم تعقلون } البقرة /72
ومن الأدلة والبراهين المادية على البعث في هاتين السورتين الكريمتين
قوله تعالى :
{ هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا
ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون } غافر/ 67
وقوله تعالى :
{ ومن ءاياته أنك ترى الارض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير } فصلت / 39
ففي الآيتين دليلان على إمكان البعث :
أحدهما دليل في الأنفس ، والآخر دليل في الآفاق
فدليل الآية الأولى متعلق بالنشأة الأولى وبيان للأطوار التي مر ويمر منها خلق الإنسان ,
فرتب سبحانه عمر الإنسان على ثلاث مراحل :
الطفولة والأشُد والشيخوخة ، وهذا ترتيب مطابق للعقل و الواقع المُعاش ،
وفي ذلك تمثيل لكمال قدرته سبحانه وتعالى .
ودليل الآية الثانية متعلق بالآفاق ، فاستدل بإحياء الأرض بعد همودها على إمكان البعث بعد الموت
والذي يصح منه إيجاد هذه الأشياء ، لابد أن يكون واجب الاتصاف لذاته بالقدرة ،
ومن كان كذلك فلابد أن يكون قادرا على الإعادة .
ووعد الله تعالى أن يُطلع الخلق على شيء من خفايا هذا الكون ومن خفايا الأنفس على السواء
حتى يتبين لهم أن هذا الدين حق ، وأن هذا المنهج وهذا الكتاب حق .
قال تعالى :
{ سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد } فصلت / 53 .
وكل خصومة لابد لها من منتهى في موقف ينقطع فيه الجدال بالباطل ويذهب فيه عنفوان المكابرة والعناد ، وهذا الشعور الوجداني هو الذي يشعر به كل مظلوم ،
وينتظر ساعة الفصل العادلة ، وعند الله تعالى تجتمع الخصوم ، وتوضع الموازين القسط ليوم الفصل .
قال تعالى :
{ يوم هم بارزون لايخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار.
اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لاظلم اليوم إن الله سريع الحساب } غافر / 17.
وقال تعالى :
{ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر اوانثى وهو مومن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب } غافر / 40.