- 22 يوليو 2008
- 16,039
- 146
- 63
- الجنس
- أنثى
- علم البلد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الخط العربي منارة دعوة وسراج حضار
نحن أمة وُلدت من بين دفتي كتاب كريم، يترجم لمعجزة لغوية خالدة! أمة خرجت من مشكاة النبوة، فتألقت معنىً، وتوهجت سنىً، وسمت فزهت حتى طاولت الأنجما!
أجل، فما أكرم من رسالة السماء رسالة، ولا أجلَّ من معاني الكتاب معان! ولئن تحدّانا عز وجل، كأمة لغة، فخسرنا الرهان، وما زلنا ننطلق في رحلة التجليات، إيماناً ويقيناً منا بأن بين أيدينا كتاباً مسطوراً، يسكن أعيننا وشغافنا، يقيم معنا لنقيم معه، نترجمه برنامج حياة، ليحقق فينا وعد الله {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً} [النساء:47].
وما تضمنته معانيه من قيم نبيلة بمثابة جواهر ودرر، وهي أحوج وأولى بأن تكون موضع حظوة واهتمام، حفاوةُ الفهم والتطبيق، واهتمامُ الحفظ في البصر والبصيرة والأداة واليد.
ولما كانت عيون الفنان في أُصْبُعه أيضاً، فلقد انطلق فناننا احتراماً وإجلالاً في سباق (مراثوني) مع حروفية آي الذِّكْر الحكيم، ينقلها بوعي وتدبُّر مضيفاً عليها من ذَوبِ اهتمامه وتقديره، ساكباً فوقها تجلياته ورفعة ذوقه النبيل، وسط مظاهر إعلان وصلة ولاء وبراء، في ظل هيمنة نظام العولمة (الأمركة) الأحادي.
فالدعوة رسالة السماء، كُلِّف بها الرسل والأنبياء وحملها الخُلَّصُ الأصفياء كسفراء الزمان والمكان، ليرضى الله عنهم ويرضون عنه، يجوبون بها نواحي المعمورة مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 7-8].
الداعية مُعلِّماً ومُعلِناً:
ولما كان الداعية تربويّاً من الطراز الأول، له وسائله وأساليبه المُعينَة والمساعدة، وبالتالي منهاجه المحكم القويم، الذي يستقيه من الكتاب والسنة، فيتخلق بمن هو على خلق قويم عظيم شهدت له السماء قبل الأرض، فعليه فعل النبلاء وعملهم، مقصده في ذلك جنة عرضها السماوات والأرض.
وكونُ من يحمل هذه الرسالة، معلماً، يمتلك الوسائل والأساليب الواضحة الذكية، القائمة على الكلمة والفعل معاً، جنباً إلى جنب، رُبّاناً ينقل الناس برفق وحكمة من دياجير الظلام إلى أنوار الهداية والإشراق، بذكاء وإخلاص ولباقة تنير لهم معالم الطريق، بثقة وهدوء من غير صخب واعتداد، أو منة ومراءاة؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
كما يقترن عملُ الدعوة بالعلم بالإعلان؛ فالإعلان يستدعي الإشارة والتدليل على مواطن الحقيقة على طَبَقٍ من ذهب، فالثمين لا يقترن بالرخيص بل يلزمه ثمينٌ مثله! والجمال سفيره الموكَلُ بنقله وحمله مثله كذلك وهكذا.. فنرى الخطاط العربي المسلم قد أبدع في كتابة القرآن الكريم بعناية وجودة فائقتين تُدلِّلان على احترامه لكتاب الله تعالى الكريم ومعجزته الخالدة، واقتحم الأدوات والأواني والمعالم المعمارية من مساجد ومدارس ومتاحف ومكتبات وحدائق وجداريات وأروقة ومشكاوات وثريات بأجمل الأنواع من الخطوط العربية كالكوفي الهندسي والنباتي والديواني الجلي والثلث الملكي.. تاركاً بصماته الرائعة فوق تلك المشاهد الحضارية، مدللاً على حضارة سادت وشهد لها العدو قبل الصديق منذ بزغت شمس الإسلام على روابي هذا العالم قبل خمسة عشر قرناً.
الخط وسيلة إيضاح:
ولما كان جمال الخط يزيد الحق وضوحاً؛ فإن الخطاط بات يمتلك إحدى أهم وسائل الداعية المذكورة آنفاً، إضافة إلى ثقافة عالية يستقيها من مصادر الشرع الحكيم ومظانه من أحكام وتشريع يجمع عليه أئمة الأمة وأعلامها الذين فتح الله عليهم.
تحضرني في ذلك قصة بسيطة عفوية الحدث بعيدة المرمى؛ إذ بينما نحن كطلاب علم نقوم بزيارة لمعرض للخط العربي، ووقفت منبهراً أمام جدار عَلَّق عليه الخطاط المسلم (أسماء الله الحسنى)، إذ بشيخ غيور يحتج على أحد الأسماء، ضارباً على إطار ذلك الاسم الذي حمله بعكازته معلناً احتجاجه على خطأ وقع عليه، كان يتعلق بحرف واحد فقط! إذ كتب (العضيم) بدل (العظيم)، ولما كان الفنان المقصود من أبناء إحدى الدول الإسلامية فمن الطبيعي أن لا يجيد ما رمى إليه الشيخ؛ إذ إن المعروف عن الأول أنه ينطق الظاء ضاداً، فما كان من فناننا إلا أن اقتنع على الفور بعد أن تأكد له ذلك من الشيخ المحتج، فقابله بابتسامة الرضا ممزوجة بالاعتذار، بل كتب للشيخ اسمه منعكساً كما لو كان من فوق مرآة، وكان مجيداً ذا فنية ملفتة لاقت استحسان من رآه؛ مما لفتني بدوري إلى قضية الخط ودوره منذ يناعتي.
نماذج خطية ناطقة:
ولابد هنا من استقراء لحروفيتنا العربية، وقد تضمنت نماذج حية حملت مشاعل دعوة وهدى، وسمات حضارة سارت بها الركبان منذ انطلقت مسيرة الدعوة السماوية منذ نحو خمسة عشر قرناً.
نماذج تنطق بالحقائق والقيم الرفيعة التي حثَّ عليها شرعنا الحكيم، لابد من الإشارة إليها هنا كمعارض للروعة والجمال، مفتوحة الأبواب، تغرف منها النفس وتنهل ما يشكل غذاءً لها يَقَرُّ في أغوارها درراً تشع سنىً كلما راجعها في خضم الحياة المتلاطم بحثاً عن التوازن والرضا! وهما الهدف المنشود من وراء الفنون الجميلة كما يقول أهل الخبرة من الفنانين أيّاً ما كانوا بالاتفاق.
هذه النماذج التي عزفتها أوتارٌ من قصب لكنها من مداد الروح حتى تغدو قريبة منا، نستأنس بها لتغدو معيننا الروحي المعنوي، وزادنا الذي لا تشبع منها عيوننا، ولا تملُّ منها قلوبنا الباحثة عن الجمال، فتحاكيها قولاً وفعلاً، مسلكاً ومعتقداً، فالفضل هنا للمبتدئ، وإن أجاد المبدع كما ورد.
وبذا نكون قد أعدنا التواصل مع بنية الإبداع، إبداع النفس والجسد، فالخط ترجمان النفس يخطه القلم فوق القرطاس شاهداً مؤكداً على اطمئنانها وتطامنها، في رحلة البحث عما هو الأجمل والأفضل والأكمل، إنها رحلة الحياة البرزخية، فوق زورق يتهادى تحت رحمة الأعاصير! فمالنا إذن إلا شرعة الله صبغة ومنهاجاً نترجمها قولاً وفعلاً ارتقاءً بالفعل، وجبراً للهمم المتدنية الغافلة، فما أجملُ من أصابع تعزف لحن الخلود، لعرائس المعاني والصور المرهفة التي تثير في النفس المؤمنة زهوها، وتبعث فيها ثقتها برسالتها شموخاً أمام التحديات.
نماذج تكون بمثابة (أيقونات) ومشكاوات تنتشر بيننا تنمية لذائقتنا الفنية؛ مما سيكفل للأجيال تواصلاً مثمراً بنّاء؛ إملاءً للفراغ الروحي الشاغر، وإيقاظاً للحس الفني بل تفجيره في واقعهم ليحلو ويطيب؛ فتقرُّ له الأعين وتطمئن عليه النفوس!
وبعد: لما كانت اللغة العربية لغة الجنة التي اختارها الله تعالى لكتابه العظيم الكريم، فكان لزوماً ووجوباً على المسلمين تعلُّمها وتبيُّنها معنى ومبنى، شكلاً وجوهراً، حتى يستوفوا منها معاني دينهم الحنيف الذي ارتضاه الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
لم يعد عذراً لأحد هجر هذه اللغة الشريفة -لغة الجنة- إِنْ معنى أو رسماً، والأفضل الأولى بالجمع بين الأمرين ليكتمل العقل والذوق، وتستقيم النفس وتتزن المشاعر؛ فتغدو سامية، ذا همة عالية، الحكمة ضالتها، والهدي شرعها، والخلق الكريم القويم شراعها الذي يقلُّها إلى شوطئ الإيمان بثقة واطمئنان.
(عبدالغني عبدالهادي )
الخط العربي منارة دعوة وسراج حضار
نحن أمة وُلدت من بين دفتي كتاب كريم، يترجم لمعجزة لغوية خالدة! أمة خرجت من مشكاة النبوة، فتألقت معنىً، وتوهجت سنىً، وسمت فزهت حتى طاولت الأنجما!
أجل، فما أكرم من رسالة السماء رسالة، ولا أجلَّ من معاني الكتاب معان! ولئن تحدّانا عز وجل، كأمة لغة، فخسرنا الرهان، وما زلنا ننطلق في رحلة التجليات، إيماناً ويقيناً منا بأن بين أيدينا كتاباً مسطوراً، يسكن أعيننا وشغافنا، يقيم معنا لنقيم معه، نترجمه برنامج حياة، ليحقق فينا وعد الله {وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً} [النساء:47].
وما تضمنته معانيه من قيم نبيلة بمثابة جواهر ودرر، وهي أحوج وأولى بأن تكون موضع حظوة واهتمام، حفاوةُ الفهم والتطبيق، واهتمامُ الحفظ في البصر والبصيرة والأداة واليد.
ولما كانت عيون الفنان في أُصْبُعه أيضاً، فلقد انطلق فناننا احتراماً وإجلالاً في سباق (مراثوني) مع حروفية آي الذِّكْر الحكيم، ينقلها بوعي وتدبُّر مضيفاً عليها من ذَوبِ اهتمامه وتقديره، ساكباً فوقها تجلياته ورفعة ذوقه النبيل، وسط مظاهر إعلان وصلة ولاء وبراء، في ظل هيمنة نظام العولمة (الأمركة) الأحادي.
فالدعوة رسالة السماء، كُلِّف بها الرسل والأنبياء وحملها الخُلَّصُ الأصفياء كسفراء الزمان والمكان، ليرضى الله عنهم ويرضون عنه، يجوبون بها نواحي المعمورة مصداقاً لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ . جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 7-8].
الداعية مُعلِّماً ومُعلِناً:
ولما كان الداعية تربويّاً من الطراز الأول، له وسائله وأساليبه المُعينَة والمساعدة، وبالتالي منهاجه المحكم القويم، الذي يستقيه من الكتاب والسنة، فيتخلق بمن هو على خلق قويم عظيم شهدت له السماء قبل الأرض، فعليه فعل النبلاء وعملهم، مقصده في ذلك جنة عرضها السماوات والأرض.
وكونُ من يحمل هذه الرسالة، معلماً، يمتلك الوسائل والأساليب الواضحة الذكية، القائمة على الكلمة والفعل معاً، جنباً إلى جنب، رُبّاناً ينقل الناس برفق وحكمة من دياجير الظلام إلى أنوار الهداية والإشراق، بذكاء وإخلاص ولباقة تنير لهم معالم الطريق، بثقة وهدوء من غير صخب واعتداد، أو منة ومراءاة؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
كما يقترن عملُ الدعوة بالعلم بالإعلان؛ فالإعلان يستدعي الإشارة والتدليل على مواطن الحقيقة على طَبَقٍ من ذهب، فالثمين لا يقترن بالرخيص بل يلزمه ثمينٌ مثله! والجمال سفيره الموكَلُ بنقله وحمله مثله كذلك وهكذا.. فنرى الخطاط العربي المسلم قد أبدع في كتابة القرآن الكريم بعناية وجودة فائقتين تُدلِّلان على احترامه لكتاب الله تعالى الكريم ومعجزته الخالدة، واقتحم الأدوات والأواني والمعالم المعمارية من مساجد ومدارس ومتاحف ومكتبات وحدائق وجداريات وأروقة ومشكاوات وثريات بأجمل الأنواع من الخطوط العربية كالكوفي الهندسي والنباتي والديواني الجلي والثلث الملكي.. تاركاً بصماته الرائعة فوق تلك المشاهد الحضارية، مدللاً على حضارة سادت وشهد لها العدو قبل الصديق منذ بزغت شمس الإسلام على روابي هذا العالم قبل خمسة عشر قرناً.
الخط وسيلة إيضاح:
ولما كان جمال الخط يزيد الحق وضوحاً؛ فإن الخطاط بات يمتلك إحدى أهم وسائل الداعية المذكورة آنفاً، إضافة إلى ثقافة عالية يستقيها من مصادر الشرع الحكيم ومظانه من أحكام وتشريع يجمع عليه أئمة الأمة وأعلامها الذين فتح الله عليهم.
تحضرني في ذلك قصة بسيطة عفوية الحدث بعيدة المرمى؛ إذ بينما نحن كطلاب علم نقوم بزيارة لمعرض للخط العربي، ووقفت منبهراً أمام جدار عَلَّق عليه الخطاط المسلم (أسماء الله الحسنى)، إذ بشيخ غيور يحتج على أحد الأسماء، ضارباً على إطار ذلك الاسم الذي حمله بعكازته معلناً احتجاجه على خطأ وقع عليه، كان يتعلق بحرف واحد فقط! إذ كتب (العضيم) بدل (العظيم)، ولما كان الفنان المقصود من أبناء إحدى الدول الإسلامية فمن الطبيعي أن لا يجيد ما رمى إليه الشيخ؛ إذ إن المعروف عن الأول أنه ينطق الظاء ضاداً، فما كان من فناننا إلا أن اقتنع على الفور بعد أن تأكد له ذلك من الشيخ المحتج، فقابله بابتسامة الرضا ممزوجة بالاعتذار، بل كتب للشيخ اسمه منعكساً كما لو كان من فوق مرآة، وكان مجيداً ذا فنية ملفتة لاقت استحسان من رآه؛ مما لفتني بدوري إلى قضية الخط ودوره منذ يناعتي.
نماذج خطية ناطقة:
ولابد هنا من استقراء لحروفيتنا العربية، وقد تضمنت نماذج حية حملت مشاعل دعوة وهدى، وسمات حضارة سارت بها الركبان منذ انطلقت مسيرة الدعوة السماوية منذ نحو خمسة عشر قرناً.
نماذج تنطق بالحقائق والقيم الرفيعة التي حثَّ عليها شرعنا الحكيم، لابد من الإشارة إليها هنا كمعارض للروعة والجمال، مفتوحة الأبواب، تغرف منها النفس وتنهل ما يشكل غذاءً لها يَقَرُّ في أغوارها درراً تشع سنىً كلما راجعها في خضم الحياة المتلاطم بحثاً عن التوازن والرضا! وهما الهدف المنشود من وراء الفنون الجميلة كما يقول أهل الخبرة من الفنانين أيّاً ما كانوا بالاتفاق.
هذه النماذج التي عزفتها أوتارٌ من قصب لكنها من مداد الروح حتى تغدو قريبة منا، نستأنس بها لتغدو معيننا الروحي المعنوي، وزادنا الذي لا تشبع منها عيوننا، ولا تملُّ منها قلوبنا الباحثة عن الجمال، فتحاكيها قولاً وفعلاً، مسلكاً ومعتقداً، فالفضل هنا للمبتدئ، وإن أجاد المبدع كما ورد.
وبذا نكون قد أعدنا التواصل مع بنية الإبداع، إبداع النفس والجسد، فالخط ترجمان النفس يخطه القلم فوق القرطاس شاهداً مؤكداً على اطمئنانها وتطامنها، في رحلة البحث عما هو الأجمل والأفضل والأكمل، إنها رحلة الحياة البرزخية، فوق زورق يتهادى تحت رحمة الأعاصير! فمالنا إذن إلا شرعة الله صبغة ومنهاجاً نترجمها قولاً وفعلاً ارتقاءً بالفعل، وجبراً للهمم المتدنية الغافلة، فما أجملُ من أصابع تعزف لحن الخلود، لعرائس المعاني والصور المرهفة التي تثير في النفس المؤمنة زهوها، وتبعث فيها ثقتها برسالتها شموخاً أمام التحديات.
نماذج تكون بمثابة (أيقونات) ومشكاوات تنتشر بيننا تنمية لذائقتنا الفنية؛ مما سيكفل للأجيال تواصلاً مثمراً بنّاء؛ إملاءً للفراغ الروحي الشاغر، وإيقاظاً للحس الفني بل تفجيره في واقعهم ليحلو ويطيب؛ فتقرُّ له الأعين وتطمئن عليه النفوس!
وبعد: لما كانت اللغة العربية لغة الجنة التي اختارها الله تعالى لكتابه العظيم الكريم، فكان لزوماً ووجوباً على المسلمين تعلُّمها وتبيُّنها معنى ومبنى، شكلاً وجوهراً، حتى يستوفوا منها معاني دينهم الحنيف الذي ارتضاه الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
لم يعد عذراً لأحد هجر هذه اللغة الشريفة -لغة الجنة- إِنْ معنى أو رسماً، والأفضل الأولى بالجمع بين الأمرين ليكتمل العقل والذوق، وتستقيم النفس وتتزن المشاعر؛ فتغدو سامية، ذا همة عالية، الحكمة ضالتها، والهدي شرعها، والخلق الكريم القويم شراعها الذي يقلُّها إلى شوطئ الإيمان بثقة واطمئنان.
(عبدالغني عبدالهادي )