و قال بعضهم : لا تترك الذكر لعدم حضورك فيه مع الله , لأن غفلتك عن ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره , فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة , و من ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور , و ما ذلك على الله بعزيز .
و قال ابن القيم : و ذكر الله على الغفلة و على كل حال خير من نسيانه بالكلية , و الألسن متى تركت ذكر الله - لذي هو محبوبها - اشتغلت بذكر ما يبغضه و يمقت عليه .
و قال شيخ الإسلام : و الذكر يكون بلسان الإنسان , و لكن يكون لقلبه من ذلك نصيب , إذ الأعضاء لا تتحرك إلا بإرادة القلب , لكن قد تكون الغفلة غالبة عليه , و ذلك الكلام خير من العدم , و الله يحبه و يأمر به .
اعلم أن حضور القلب في العبادة من ذكر و غيره هو روحها , فكما أنه لا حياة للجسد بلا روح , كذلك كل عبادة لا حضور فيها فإنها ميتة لا روح فيها .
و أعني بحضور القلب : تنبهه لعظمة الله تعالى و جلاله , و استشعاره لمراقبته , مع تدبر معنى ما يجريه على لسانه من تلاوة و ذكر , و هو النوع السادس من أنواع الذكر التي قدمنا .
قال شاه ولي الله : روح الصلاة : هي الحضور مع الله , و الإستشراف للجبروت , و تذكر جلال الله , مع تعظيم ممزوج بمحبته و طمأنينة .
و روح الذكر : الحضور و الإستغراق في الإلتفات إلى الجبورت .
و قال النووي : المراد من الذكر حضور القلب , فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر , فيحرص على تحصيله , و يتدبر ما يذكر , و يتعقل معناه , فالتدبر في الذكر مطلوب في القراءة , لاشتراكهما في المعنى المقصود .
و قال ابن سعدي : الصلاة و القراءة و الذكر و غيرها من العبادات إذا كانت بقوة حضور قلب و إيمان كامل , فلا ريب أن بينها و بين عبادة الغافل درجات تنقطع دونها أعناق المطي .
و قال : و ذكر الله تعالى أفضله ما تواطأ عليه القلب و اللسان , و هو الذي يثمر معرفة الله و محبته و كثرة ثوابه .
و قال ابن القيم : أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب و اللسان , و إنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده , لأن ذكر القلب يورث المعرفة , و يهيج المحبة , و يثير الحياء , و يبعث على المخافة , و يدعو إلى المراقبة , و يَزَعُ عن التقصير في الطاعات و التهاون في المعاصي و السيئات , و ذكر اللسان وحده لا يوجب شيئا من هذه الآثار , و إن أثمر شيئا فثمرة ضعيفة