إعلانات المنتدى


[ آيه فَقَطْ ~ الجزء الأول ],!

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)

ما نبدِّل من آية أو نُزِلها من القلوب والأذهان نأت بأنفع لكم منها, أو نأت بمثلها في التكليف والثواب, ولكلٍ حكمة. ألم تعلم -أيها النبي- أنت وأمتك أن الله قادر لا يعجزه شيء؟

 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير" 107")
وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هناك آيات نسخت في القرآن .. أراد أن يوضح لنا أنه سبحانه له طلاقة القدرة في كونه يفعل ما يشاء .. ولذلك بدأ الآية الكريمة: "ألم تعلم" .. وهذا التعبير يسمى الاستفهام الاستنكاري أو التقريري .. لأن السامع لا يجد إلا جوابا واحدا بأنه يقر ما قاله الله تبارك وتعالى .. ويقول نعم يا رب أنت الحق وقولك الحق.
قوله تعالى: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" .. الملك يقتضي مالكا ويقتضي مملوكا .. ويقتضي قدرة على استمرار هذا الملك وعدم زواله .. فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه يقدر ويملك المقدرة .. والإنسان ليست له قدرة التملك ولا المقدرة على استبقاء ما يملكه .. والإنسان لا يملك الفعل في الكون .. إن أراد مثلا أن يبني عمارة قد لا يجد الأرض .. فإن وجد الأرض قد لا يجد العامل الذي يبني .. فإن وجده قد لا يجد مواد البناء .. فإن وجد هذا كله قد تأتي الحكومة أو الدولة وتمنع البناء على هذه الأرض .. أو أن تكون الأرض ملكا لإنسان آخر فتقام القضايا ولا يتم البناء.
والحق سبحانه وتعالى يقول: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" .. أي أن كل شيء في الوجود هو ملك لله وهو يتصرف بقدرته فيما يملك .. ولذلك عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة .. كان اليهود يملكون المال ولهم معرفة ببعض العلم الدنيوي لذلك سادوا المدينة .. وبدأوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين .. والله تبارك وتعالى طمأن رسوله بأن طلاقة القدرة في الكون هي لله وحده .. وأنه إذا كان لهم ملك فإنه لا يدوم لأن الله ينزع الملك ممن يشاء ويعطيه لمن يشاء .. ولذلك حينما يأتي يوم القيامة ويهلك الله الأرض ومن عليها .. يقول سبحانه:

{لمن الملك اليوم }
(من الآية 16 سورة غافر)


ويرد جل جلاله بشهادة الذات للذات فيقول:

{لله الواحد القهار }
(من الآية 16 سورة غافر)


ومادام الله هو المالك وحده .. فإنه يستطيع أن ينزع من اليهود وغيرهم من الدنيا كلها ما يملكونه .. ويحدثنا العلماء أن العسس وهم الجنود الذين يسيرون ليلا لتفقد أحوال الناس وجدوا شخصا يسير ليلا .. فلما تقدموا منه جرى فجروا وراءه إلي أن وصل إلي مكان خرب ليستتر فيه .. تقدم العسس وأمسكوا به وإذا بهم يجدون جثة القتيل .. فأخذوه ليحاكموه فقال لهم أمهلوني لأصلي ركعتين لله .. فأمهلوه فصلى ثم رفع يديه إلي السماء وقال اللهم إنك تعلم أنه لا شاهد على براءتي إلا أنت .. وأنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة فأسألك ذلك في نفسك .. فبينما هم كذلك إذا أقبل رجل فقال .. أنا قاتل هذا القتيل وأنا أقر بجريمتي .. فتعجب الناس وقالوا لماذا تقر بجريمتك ولم يرك أحد ولم يتهمك أحد .. فقال لهم والله ما أقررت إنما جاء هاتف فأجرى لساني بما قلت .. فلما أقر القاتل بما فعل وقام ولى المقتول وهو أبوه فقال .. اللهم إني أشهدك إني قد أعفيت قاتل ابني من دينه وقصاصه.
انظر إلي طلاقة قدرة الحق سبحانه وتعالى .. القاتل أراد أن يختفي ولكن انظر إلي دقة السؤال من السائل أو المتهم البريء .. وقد صلى ركعتين لله .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أنه إذا حزبنا أمر قمنا إلي الصلاة فليس أمامنا إلا هذا الباب .. وبعد أن صلى سأل الله أنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة ولا يشهد ببراءتي أحد إلا أنت فأسألك ذلك في نفسك وبعد ذلك كان ما كان. وهذه القصة تدلنا على أننا في قبضة الله .. أردنا أو لم نرد .. بأسباب أو بغير أسباب .. لماذا؟ .. لأن الله له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير .. وقوله تعالى: "وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير" .. الولي هو من يواليك ويحبك .. والنصير هو الذي عنده القدرة على أن ينصرك وقد يكون النصير غير الولي .. الحق تبارك وتعالى يقول أنا لكم ولي ونصير أي محب وأنصركم على من يعاديكم.
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)
بل أتريدون- أيها الناس- أن تطلبوا من رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم أشياء بقصد العناد والمكابرة, كما طُلِبَ مثل ذلك من موسى. علموا أن من يختر الكفر ويترك الإيمان فقد خرج عن صراط الله المستقيم إلى الجهل والضَّلال.
تفسير الميسر..
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير " 109")
هذه الآية الكريمة تتناول أحداثا وقعت بعد غزوة أحد .. وفي غزوة أحد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من الرماة ألا يغادروا مواقعهم عند سفح الجبل سواء انتصر المسلمون أو انهزموا .. فلما بدأت بوادر النصر طمع الرماة في الغنائم .. فخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزمهم الله .. ولكن الكفار لم يحققوا نصر لأن النصر هو أن تحتل أرضا وتبقى. هؤلاء الكفار بعد المعركة انطلقوا عائدين إلي مكة .. حتى أن المسلمين عندما خرجوا للقائهم في اليوم التالي لم يجدوا أحداً .. يهود المدينة استغلوا هذا الحديث .. وعندما التقوا بحذيفة بن اليمان وطارق وغيرهما .. قالوا لهم إن كنتم مؤمنين حقا لماذا انهزمتم فارجعوا إلي ديننا واتركوا دين محمد .. فقال لهم حذيفة ماذا يقول دينكم في نقض العهد؟ .. يقصد ما تقوله التوراة في نقض اليهود ولعهودهم مع الله ومع موسى .. ثم قال أنا لن انقض عهدي مع محمد ما حييت .. أما عمار فقال .. لقد آمنت بالله ربا وآمنت بمحمد رسولا وآمنت بالكتاب إماما وآمنت بالكعبة قبلة وآمنت بالمؤمنين إخوة وسأظل على هذا ما حييت.
وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله حذيفة وطارق بن ياسر فسر بذلك ولكن اليهود كانوا يستغلون ما حدث في أحد ليهزموا العقيدة الإيمانية في قلوب المسلمين كما استغلوا تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة ليهزموا الإيمان في القلوب وقالوا إذا كانت القبلة تجاه بيت المقدس باطلة فلماذا اتجهتم إليها، وإذا كانت صحيحة فلماذا تركتموها، فنزل قول الله تعالى: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم". انظر إلي دقة التعبير القرآني في قوله تعالى: "من أهل الكتاب" .. فكأن بعضهم فقط هم الذين كانوا يحاولون رد المؤمنين عن دينهم .. ولكن كانت هناك قلة تفكر في الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام .. ولو أن الله جل جلاله حكم على كل أهل الكتاب لسد الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا .. أي أن أهل الكتاب من اليهود يحبون أن يردوكم عن دينكم وهؤلاء هم الكثرة .. لأن الله تعالى قال: "ود كثير من أهل الكتاب".
وقوله تعالى: "من بعد إيمانكم كفارا" .. كفارا بماذا؟ .. بما آمنتم به أو بما يطلبه منكم دينكم .. وهم لا يفعلون ذلك عن مبدأ أو عقيدة أو لصالحكم ولكن: "حسدا من عند أنفسهم" .. فدينهم يأمرهم بعكس ذلك .. يأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .. ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .. ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم به التوراة حينما يرفضون الإيمان بالإسلام .. والذي يدعوهم إلي أن يحاولوا ردكم عن دينكم هو الحسد .. والحسد هو تمني زوال النعمة عمن تكره .. وقوله تعالى: "حسدا من عند أنفسهم" .. أي هذه المسألة من ذواتهم لأنهم يحسدون المسلمين إخوانا متحابين متكاتفين مترابطين .. بينما هم شيع وأحزاب .. وهناك حسد يكون من منطق الدين وهذا مباح ..

<ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلط على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس">

فكأن الحسد حرام في غير هاتين الحالتين .. فكأن هؤلاء اليهود يحسدون المسلمين على دينهم .. وهذا الحسد من عند أنفسهم لا تقره التوراة ولا كتبهم .. وقوله سبحانه: "من بعد ما تبين لهم أنه الحق" .. أي بعد ما تأكدوا من التوراة من شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم.
وقوله تعالى: فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره" .. ما هو العفو وما هو الصفح؟ .. يقال عفت الريح الأثر أي مسحته وأزالته .. فالإنسان حين يمشي على الرمال تترك قدمه أثرا فتأتي الريح وتعفو الأثر أي تزيله .. ولذلك فإن العفو أن تمحو من نفسك أثر أي إساءة وكأنه لم يحدث شيء .. والصفح يعني طي صفحات هذا الموضوع لا تجعله في بالك ولا تجعله يشغلك .. وقوله تعالى: "حتى يأتي الله بأمره" .. أن هذا الوضع بالنسبة لليهود وما يفعلونه في المؤمنين لن يستمر لأن الله سبحانه قد أعد لهم أمرا ولكن هذا الأمر لم يأت وقته ولا أوانه .. وعندما يأتي سيتغير كل شيء .. لذلك يقول الله للمؤمنين لن تظلوا هكذا .. بل يوم تأخذونهم فيه بجرائمهم ولن يكون هذا اليوم بعيدا .. عندما يقول الله سبحانه: "حتى يأتي الله بأمره" .. فلابد أن أمر الله آت .. لأن هذه قضية تتعلق بجوهر الإيمان كله .. فلا يقال أبدا حتى يأتي الله بأمره ثم لا يجئ هذا الأمر .. بل أمر الله بلا شك نافد وسينصركم عليهم .. وقوله تعالى: "إن الله على كل شيء قدير" .. أن الله له طلاقة القدرة في ملكه .. ولذلك إذا قال أنه سيأتي بأمر فسيتحقق هذا الأمر حتما وسيتم .. ولا توجد قدرة في هذا الكون إلا قدرة الله سبحانه .. ولا قوة إلا قوته جل جلاله .. ولا فعل إلا ما أراد.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)

واشتغلوا -أيها المؤمنون- بأداء الصلاة على وجهها الصحيح, وإعطاء الزكاة المفروضة. واعلموا أنَّ كل خير تقدمونه لأنفسكم تجدون ثوابه عند الله في الآخرة. إنه تعالى بصير بكل أعمالكم, وسيجازيكم عليها.
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " 111")
بعد أن بين الحق تبارك وتعالى كيف أن كل عمل في منهج الله له أجر، وأجر باق وثابت ومضاعف عند الله ومحفوظ بقدرة الله سبحانه .. أراد أن يرد على ادعاءات اليهود والنصارى الذين يحاولون أن يثيروا اليأس في قلوب المؤمنين بالكذب والإحباط علهم ينصرفون عن الإسلام .. لذلك فقد أبلغنا الله سبحانه بما افتروه. واقرأ قوله تعالى: "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" .. وفي هذه الآية الكريمة يظهر التناقض بين أقوال اليهود والنصارى .. ولقد أوردنا كيف أن اليهود قد قالوا "لن يدخل الجنة إلا من كان هودا" .. وقالت النصارى: "لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا" .. والله سبحانه وتعالى يفضح التناقض في آية ستأتي في قوله تبارك وتعالى:

{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء }
(من الآية 113 سورة البقرة)


ومعنى ذلك أنهم تناقضوا في أقوالهم، فقالت النصارى: إنهم سيدخلون الجنة وحدهم، وقالت اليهود القول نفسه. ثم قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا .. ثم قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء. ويقول الناس إذا كنت كذوبا فكن ذكورا؛ ذلك أن الذي يكذب تتناقض أقواله لأنه ينسى مادام قد قال غير الحقيقة، ولذلك تجد أن المحقق أو القاضي يظل يسأل المتهم أسئلة مختلفة .. حتى تتناقض أقواله فيعرف أنه يكذب .. فأنت إذا رويت الواقعة كما حدثت فإنك ترويها مائة مرة دون أي خلاف في التفاصيل. ولكنك إذا كذبت تتناقض مع نفسك .. والله سبحانه وتعالى يقول: "تلك أمانيهم" .. ما هي الأماني؟ .. هي أن تعلق نفسك بأمنية وليس لهذه الأمنية سند من الواقع يوصلك إلي تحقيق هذه الأمنية .. ولكن إذا كان التمني قائما على عمل يوصلك إلي تحقيق الأمنية فهذا شيء آخر.
بعض الناس يقول التمني وإن لم يتحقق فإنه يروح عن النفس .. فقد ترتاح النفس عندما تتعلق بأمل كاذب وتعيش أياما في نوع من السعادة وإن كانت سعادة وهمية .. نقول إن الصدمة التي ستلحق بالإنسان بعد ذلك ستدمره .. ولذلك لا يكون في الكذب أبدا راحة .. فأحلام اليقظة لا تتحقق لأنها لا تقوم على أرضية من الواقع وهي لا تعطي الإنسان إلا نوعا من بعد عن الحقيقة .. ولذلك يقول الشاعر:
منى إن تكن حقاً تكن احسن المنى وإلا فقد عشا بها زمنا رغدا
يعني الأماني لو كانت حقيقة أو تستند إلي الحقيقة فإنها احسن الأماني لأنها تعيش معك .. فإن لم تكن حقيقة يقول الشاعر:
فقد عشنا بها زمنا رغدا
أماني من ليل حسان كأنما سقتنا بها ليلى على ظمأ بردا
وقوله تعالى: "تلك أمانيهم" تبين لنا أن الأماني هي مطامع الحمقى لأنها لا تتحقق .. والحق سبحانه يقول: "قل هاتوا برهانكم" .. وما هو البرهان؟ .. البرهان هو الدليل .. ولا تطلب البرهان إلا من إنسان وقعت معه في جدال واختلفت وجهات النظر بينك وبينه .. ولا تطلب البرهان إلا إذا كنت متأكداً أن محدثك كاذب .. وأنه لن يجد الدليل على ما يدعيه. هب أن شخصا ادعى أن عليك مالا له .. وطلب منك أن تعيده إليه وأنت لم تأخذ منه مالا .. في هذه الحالة تطلب منه تقديم الدليل .. (فالكمبيالة) التي كتبتها له أو الشيك أو إيصال الأمانة .. وأضعف الإيمان أن تطلب منه شهودا على أنك أخذت منه المال .. ولكن قبل أن تطالبه بالدليل .. يجب أن تكون واثقا من نفسك وأنه فعلا يكذب وأنك لم تأخذ منه شيئا.
إذن فقوله الحق سبحانه: "هاتوا برهانكم" .. كلام من الله يؤكد أنهم كاذبون .. وأنهم لو أرادوا أن يأتوا بالدليل .. فلن يجدوا في كتب الله ولا في كلام رسله ما يؤكد ما يدعونه، وإن أضافوه يكن هذا افتراء على الله ويكن هناك الدليل الدامغ على أن هذا ليس من كلام الله ولكنه من افتراءاتهم. إذن فليس هناك برهان على ما يقولونه .. ولو كان هناك برهان ولو كان في هذا الكلام ولو جزءا من الحقيقة .. ما كان الله سبحانه وتعالى يطالبهم بالدليل. إذن لا تقول هاتوا برهانكم إلا إذا كنت واثقا أنه لا برهان على ما يقولون؛ لأنك رددت الأمر إليه فيما يدعيه .. وهو يحب أن يثبته ويفعل كل شيء في سبيل الحصول على برهان .. ولا يمكن أن يقول الله: "هاتوا برهانكم" .. إلا وهو سبحانه يعلم أنهم يكذبون .. ولذلك قال: "إن كنتم صادقين" .. أي إن كنتم واثقين من أن ما تقولونه صحيح؛ لأن الله يعرف يقينا أنكم تكذبون.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)

ليس الأمر كما زعموا أنَّ الجنة تختص بطائفة دون غيرها, وإنما يدخل الجنَّة مَن أخلص لله وحده لا شريك له, وهو متبع للرسول محمد صلى الله عليه وسلم في كل أقواله وأعماله. فمن فعل ذلك فله ثواب عمله عند ربه في الآخرة, وهو دخول الجنة, وهم لا يخافون فيما يستقبلونه من أمر الآخرة, ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.


تفسير الميسر
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " 113")
نقول إن أصدق ما قاله اليهود والنصارى .. هو أن كل طائفة منهم اتهمت الأخرى بأنها ليست على شيء .. فقال اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء .. والعجيب إن الطائفتين أهل كتاب .. اليهود أهل كتاب والنصارى أهل كتاب .. ومع ذلك كل منهما يتهم الآخر بأنه لا إيمان له وبذلك تساوى مع المشركين.
الذين يقولون إن أهل الكتاب ليسوا على شيء .. أي أن المشركين يقولون اليهود ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء .. واليهود يقولون المشركون ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء .. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" .. وبذلك أصبح لدينا ثلاث طوائف يواجهون الدعوة الإسلامية .. طائفة لا تؤمن بمنهج سماوي ولا برسالة إلهية وهؤلاء هم المشركون .. وطائفتان لهم إيمان ورسل وكتب هم اليهود والنصارى .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" .. أي الذين لا يعلمون دينا ولا يعلمون إلها ولا يعلمون أي شيء عن منهج السماء .. اتحدوا في القول مع اليهود والنصارى وأصبح قولهم واحدا.
وكان المفروض أن يتميز أهل الكتاب الذين لهم صلة بالسماء وكتب نزلت من الله ورسل جاءتهم للهداية .. كان من المفروض أن يتميزوا على المشركين .. ولكن تساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون .. وهذا معنى قوله تعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" .. ومادامت الطوائف الثلاث قالوا على بعضهم نفس القول .. يكون حجم الخلاف بينهم كبيرا وليس صغيرا .. لأن كل واحد منهم يتهم الآخر أنه لا دين له.
هذا الخلاف الكبير من الذي يحكم فيه؟ لا يحكم فيه إلا الله .. فهو الذي يعلم كل شيء .. وهو سبحانه القادر على أن يفصل بينهم بالحق .. ومتى يكون موعد هذا الفصل أو الحكم؟ أهو في الدنيا؟ لا .. فالدنيا دار اختيار وليست دار حساب ولا محاسبة ولا فصل في قضايا الإيمان .. ولذلك فإن الحكم بينهم يتم يوم القيامة وعلى مشهد من خلق الله جميعا. والحق سبحانه وتعالى يقول: "فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" .. ومعنى الحكم هنا ليس هو بيان المخطئ من المصيب فالطوائف الثلاث مخطئة .. والطوائف الثلاث في إنكارها للإسلام قد خرجت عن إطار الإيمان .. ويأتي الحكم يوم القيامة ليبين ذلك ويواجه المخالفين بالعذاب.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) (البقرة)

"وَمَنْ أَظْلَم" أَيْ لَا أَحَد أَظْلَم "مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِد اللَّه أَنْ يُذْكَر فِيهَا اسْمه" بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْبِيح "وَسَعَى فِي خَرَابهَا" بِالْهَدْمِ أَوْ التَّعْطِيل نَزَلَتْ إخْبَارًا عَنْ الرُّوم الَّذِينَ خَرَّبُوا بَيْت الْمَقْدِس أَوْ فِي الْمُشْرِكِينَ لَمَّا صَدُّوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْحُدَيْبِيَة عَنْ الْبَيْت "أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إلَّا خَائِفِينَ" خَبَر بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ أَخِيفُوهُمْ بِالْجِهَادِ فَلَا يَدْخُلهَا أَحَد آمِنًا "لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْي" هَوَان بِالْقَتْلِ وَالسَّبْي وَالْجِزْيَة "وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم" هُوَ النَّار

تفسير الجلالين

 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
ولله جهتا شروق الشمس وغروبها وما بينهما, فهو مالك الأرض كلها. فأي جهة توجهتم إليها في الصلاة بأمر الله لكم فإنكم مبتغون وجهه, لم تخرجوا عن ملكه وطاعته. إن الله واسع الرحمة بعباده, عليم بأفعالهم, لا يغيب عنه منها شيء.

تفسير الميسر..
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) (البقرة)

هَذَا إِخْبَار عَنْ النَّصَارَى فِي قَوْلهمْ : الْمَسِيح اِبْن اللَّه . وَقِيلَ عَنْ الْيَهُود فِي قَوْلهمْ : عُزَيْر اِبْن اللَّه . وَقِيلَ عَنْ كَفَرَة الْعَرَب فِي قَوْلهمْ : الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه .

لَا يَكُون الْوَلَد إِلَّا مِنْ جِنْس الْوَالِد , فَكَيْف يَكُون لِلْحَقِّ سُبْحَانه أَنْ يَتَّخِذ وَلَدًا مِنْ مَخْلُوقَاته وَهُوَ لَا يُشْبِههُ شَيْء , وَقَدْ قَالَ : " إِنْ كُلّ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عَبْدًا " [ مَرْيَم : 93 ] , كَمَا قَالَ هُنَا : " بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض " فَالْوَلَدِيَّة تَقْتَضِي الْجِنْسِيَّة وَالْحُدُوث , وَالْقِدَم يَقْتَضِي الْوَحْدَانِيَّة وَالثُّبُوت , فَهُوَ سُبْحَانه الْقَدِيم الْأَزَلِيّ الْوَاحِد الْأَحَد , الْفَرْد الصَّمَد , الَّذِي لَمْ يَلِد وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد . ثُمَّ إِنَّ الْبُنُوَّة تُنَافِي الرِّقّ وَالْعُبُودِيَّة . - عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي سُورَة " مَرْيَم " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى - فَكَيْف يَكُون وَلَدَ عَبْدًا هَذَا مُحَال , وَمَا أَدَّى إِلَى الْمُحَال مُحَال . وَقَدْ جَاءَ مِثْل هَذِهِ الْأَخْبَار عَنْ الْجَهَلَة الْكُفَّار فِي [ مَرْيَم ] /و [ الْأَنْبِيَاء ] .

خَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( قَالَ اللَّه تَعَالَى كَذَّبَنِي اِبْن آدَم وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبه إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِر أَنْ أُعِيدهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمه إِيَّايَ فَقَوْله لِي وَلَد فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذ صَاحِبَة أَوْ وَلَدًا " .

" سُبْحَان " مَنْصُوب عَلَى الْمَصْدَر , وَمَعْنَاهُ التَّبْرِئَة وَالتَّنْزِيه وَالْمُحَاشَاة , مِنْ قَوْلهمْ : اِتَّخَذَ اللَّه وَلَدًا , بَلْ هُوَ اللَّه تَعَالَى وَاحِد فِي ذَاته , أَحَد فِي صِفَاته , لَمْ يَلِد فَيَحْتَاج إِلَى صَاحِبَة , " أَنَّى يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة وَخَلَقَ كُلّ شَيْء " [ الْأَنْعَام : 101 ] وَلَمْ يُولَد فَيَكُون مَسْبُوقًا , جَلَّ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .


" مَا " رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر فِي الْمَجْرُور , أَيْ كُلّ ذَلِكَ لَهُ مِلْك بِالْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاع . وَالْقَائِل بِأَنَّهُ اِتَّخَذَ وَلَدًا دَاخِل فِي جُمْلَة السَّمَاوَات وَالْأَرْض . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَعْنَى سُبْحَان اللَّه : بَرَاءَة اللَّه مِنْ السُّوء .


اِبْتِدَاء وَخَبَر , وَالتَّقْدِير كُلّهمْ , ثُمَّ حُذِفَ الْهَاء وَالْمِيم . " قَانِتُونَ " أَيْ مُطِيعُونَ وَخَاضِعُونَ , فَالْمَخْلُوقَات كُلّهَا تَقْنُت لِلَّهِ , أَيْ تَخْضَع وَتُطِيع . وَالْجَمَادَات قُنُوتهمْ فِي ظُهُور الصَّنْعَة عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ . فَالْقُنُوت الطَّاعَة , وَالْقُنُوت السُّكُوت , وَمِنْهُ قَوْل زَيْد بْن أَرْقَم : كُنَّا نَتَكَلَّم فِي الصَّلَاة , يُكَلِّم الرَّجُل صَاحِبه إِلَى جَنْبه حَتَّى نَزَلَتْ : " وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : 238 ] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَام . وَالْقُنُوت : الصَّلَاة , قَالَ الشَّاعِر : قَانِتًا لِلَّهِ يَتْلُو كُتُبه وَعَلَى عَمْد مِنْ النَّاس اِعْتَزَلَ وَقَالَ السُّدِّيّ وَغَيْره فِي قَوْله : " كُلّ لَهُ قَانِتُونَ " أَيْ يَوْم الْقِيَامَة . الْحَسَن : كُلّ قَائِم بِالشَّهَادَةِ أَنَّهُ عَبْده . وَالْقُنُوت فِي اللُّغَة أَصْله الْقِيَام , وَمِنْهُ الْحَدِيث : ( أَفْضَل الصَّلَاة طُول الْقُنُوت ) قَالَهُ الزَّجَّاج . فَالْخَلْق قَانِتُونَ , أَيْ قَائِمُونَ بِالْعُبُودِيَّةِ إِمَّا إِقْرَارًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عَلَى خِلَاف ذَلِكَ , فَأَثَر الصَّنْعَة بَيِّن عَلَيْهِمْ . وَقِيلَ : أَصْله الطَّاعَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَات " [ الْأَحْزَاب : 35 ] . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان عِنْد قَوْله تَعَالَى : " وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [ الْبَقَرَة : 238 ] .

تفسير القرطبي
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" 117")
بعد أن بين الله تبارك وتعالى .. أن قولهم اتخذ الله ولدا هو افتراء على الله .. أراد الحق أن يلفتنا إلي بعض من قدراته .. فقال جل جلاله: "بديع السماوات والأرض" .. أي خلق السماوات والأرض وكل ما فيها من خلق على غير مثال سابق .. أي لم يكن هناك سماء أو أرض أو ملائكة أو جن أو إنسان .. ثم جاء الله سبحانه وتعالى وأوجد متشابها لهم في شكل أو حجم أو قدرة .. أي أنه سبحانه لم يلجأ إلي ما نسميه نحن بالقالب. إن الذي يصنع كوب الماء يصنع أولا قالبا يصب فيه خام الزجاج المنصهر .. فتخرج في النهاية أكواب متشابهة .. وكل صناعة لغير الله تتم على أساس صنع القالب أولا ثم بعد ذلك يبدأ الإنتاج .. ولذلك فإن التكلفة الحقيقية هي في إعداد القالب الجيد الذي يعطينا صورة لما نريد .. والذي يخبز رغيفا مثلا قد لا يستخدم قالبا ولكنه يقلد شيئا سبق .. فشكل الرغيف وخامته سبق أن تم وهو يقوم بتقليدهما في كل مرة .. ولكنه لا يستطيع أن يعطي التماثل في الميزان أو الشكل أو الاستدارة .. بل هناك اختلاف في التقليد ولا يجود كمال في الصناعة.
وحين خلق الله جل جلاله الخلق من آدم إلي أن تقوم الساعة .. جعل الخلق متشابهين في كل شيء .. في تكوين الجسم وفي شكله في الرأس والقدمين واليدين والعينين .. وغير ذلك من أعضاء الجسم .. تماثلا دقيقا في الشكل وفي الوظائف .. بحيث يؤدي كل عضو مهمته في الحياة .. ولكن هذا التماثل لم يتم على قالب وإنما تم بكلمة كن .. ورغم التشابه في الخلق فكل منا مختلف عن الآخر اختلافا يجعلك قادرا على تمييزه بالعلم والعين .. فبالعلم كل منا له بصمة إصبع وبصمة صوت يمكن أن يميزها خبراء التسجيل .. وبصمة رائحة قد لا نميزها نحن ولكن تميزها الكلاب المدربة .. فتشم الشيء ثم تسرع فتدلنا على صاحبه ولو كان بين ألف من البشر .. وبصمة شفرة تجعل الجسد يعرف بعضه بعضا .. فإن جئت بخلية من جسد آخر لفظها. وإن جئت بخلية من الجسد نفسه اتحد معها وعالج جراحها.
وإذا كان هذا بعض ما وصل إليه العلم .. فإن هناك الكثير مما قد نصل إليه ليؤكد لنا أنه رغم تشابه بلايين الأشخاص .. فإن لكل واحد ما يميزه وحده ولا يتكرر مع خلق الله كلهم .. وهذا هو الإعجاز في الخلق ودليل على طلاقة قدرة الله في كونه. والله سبحانه وتعالى يعطينا المعنى العام في القرآن الكريم بأن هذا من آياته وأنه لم يحدث مصادفة ولم يأت بطريق غير مخطط بل هو معد بقدرة الله سبحانه .. فيقول جل جلاله:

{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين"22"}
(سورة الروم)


هذا الاختلاف يمثل لنا طلاقة قدرة الله سبحانه في الخلق على غير مثال .. فكل مخلوق يختلف عمن قبله وعمن بعده وعمن حوله .. مع أنهم في الشكل العام متماثلون .. ولو أنك جمعت الناس كلهم منذ عهد آدم إلي يوم القيامة تجدهم في صورة واحدة .. وكل واحد منهم مختلف عن الآخر .. فلا يوجد بشران من خلق الله كل منهما طبق الأصل من الآخر .. هذه دقة الصنع وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: "بديع" .. والدقة تعطي الحكمة .. والإبراز في صور متعددة يعطي القدرة .. ولذلك بعد أن نموت وتتبعثر عناصرنا في التراب يجمعنا الله يوم القيامة .. والإعجاز في هذا الجمع هو أن كل إنسان سيبعث من عناصره نفسها وصورته نفسها وهيئته نفسها التي كان عليها في الدنيا. ولذلك قال الحق سبحانه:

{قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ "4" }
(سورة ق)


إذن الله سبحانه وتعالى بطلاقة قدرته في الإيجاد قد خلقنا .. وبطلاقة قدرته في إعادة الخلق يحيينا بعد الموت .. بشكلنا ولحمنا وصفاتنا وكل ذرة فينا .. هل هناك دقة بعد ذلك؟. لو أننا أتينا بأدق الصناع وأمهرهم وقلنا له: اصنع لنا شيئا تجيده. فلما صنعه قلنا له: اصنع مثله. إنه لا يمكن أن يصنع نموذجا مثله بالمواصفات نفسها؛ لأنه يفتقد المقاييس الدقيقة التي تمده بالمواصفات نفسها التي صنعها. إنه يستطيع أن يعطينا نموذجا متشابها ولكن ليس مثل ما صنع تماما. لكن الله سبحانه وتعالى يتوفى خلقه وساعة القيامة أو ساعة بعثهم يعيدهم بمكوناتهم نفسها التي كانوا عليها دون زيادة أو نقص. وذلك لأنه الله جل جلاله لا يخلق وفق قوالب معينة، وإنما يقول للشيء: كن فيكون.
تقول الآية الكريمة: "بديع السماوات والأرض إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون". "كن" وردت كثيرا في القرآن الكريم .. وفي اللغة شيء يسمى المشترك اللفظ يكون واحدا ومعانيه تختلف حسب السياق .. فمثلا كلمة قضى لها معاني متعددة ولها معنى يجمع كل معانيها .. مرة يأتي بها الحق بمعنى فرغ أو انتهى .. في قوله تعالى:

{فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا }
(من الآية 200 سورة البقرة)


ومعناها إذا انتهيتم من مناسك الحج .. ومرة يقول سبحانه:

{فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا }
(من الآية 72 سورة طه)


والمعنى افعل ما تريد .. وفي آية أخرى يقول الله تعالى:

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }
(من الآية 36 سورة الأحزاب)


والمعنى أنه إذا قال الله شيئا لا يترك للمؤمنين حق الاختيار .. ومرة يصور الله جل جلاله الكفار في الآخرة وهم في النار يريدون أن يستريحوا من العذاب بالموت: واقرأ قوله سبحانه:

{ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون "77" }
(سورة الزخرف)


ليقض علينا هنا معناها يميتنا .. ومعنى آخر في قوله تعالى:

{وقال الشيطان لما قضى الأمر }
(من الآية 22 سورة إبراهيم)


أي لما انتهى الأمر ووقع الجزاء .. وفي موقع آخر قوله سبحانه:

{فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله}
(من الآية 29 سورة القصص)


قضى الأجل هنا بمعنى أتم الأجل وفي قوله تعالى:

{وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون }
(من الآية 54 سورة يونس)


أي حكم وفصل بينهم .. وقوله جل جلاله:

{وقضينا إلي بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين }
(من الآية 4 سورة الإسراء)


بمعنى أعلمنا بني إسرائيل في كتابهم .. إذن "قضى" لها معان متعددة يحددها السياق .. ولكن هناك معنى تلتقي فيه كل المعاني .. وهو قضى أي حكم وهذا هو المعنى الأم. إذن معنى قوله تعالى: "إذا قضى أمرا" .. أي إذا حكم بحكم فإنه يكون على أننا يجب أن نلاحظ قول الحق: "وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن" .. معنى يقول له أن الأمر موجود عنده .. موجود في علمه .. ولكنه لم يصل إلي علمنا .. أي أنه ليس أمرا جديدا .. لأنه مادام الله سبحانه وتعالى قال: "يقول له" .. كأنه جل جلاله يخاطب موجودا .. ولكن هذا الموجود ليس في علمنا ولا نعلم عنه شيئا .. وإنما هو موجود في علم الله سبحانه وتعالى .. ولذلك قيل أن لله أمرواً يبديها ولا يبتديها .. إنها موجودة عنده لأن الأقلام رفعت، والصحف جفت .. ولكنه يبديها لنا نحن الذين لا نعلمها فنعلمها.
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)
وقال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد: هلا يكلمنا الله مباشرة ليخبرنا أنك رسوله, أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك. ومثل هذا القول قالته الأمم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة; بسبب تشابه قلوب السابقين واللاحقين في الكفر والضَّلال, قد أوضحنا الآيات للذين يصدِّقون تصديقًا جازمًا؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى، متَّبعين ما شرعه لهم.
تفسير الميسر..
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) (البقرة)


ثم ذكر تعالى بعض آية موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به فقال: " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا " فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها, وهي ترجع إلى ثلاثة أمور: الأول, في نفس إرساله, والثاني, في سيرته وهديه ودله.
والثالث, في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة.
فالأول والثاني, قد دخلا في قوله: " إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ " .
والثالث في قوله " بِالْحَقِّ " .
وبيان الأمر الأول وهو - نفس إرساله - أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل بعثته صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران, والصلبان, وتبديلهم للأديان, حتى كانوا في ظلمة من الكفر, قد عمتهم وشملتهم, إلا بقايا من أهل الكتاب, قد انقرضوا قبيل البعثة.
وقد علم أن الله تعالى لم يخلق خلقه سدى, ولم يتركهم هملا, لأنه حكيم عليم, قدير رحيم.
فمن حكمته ورحمته بعباده, أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم, يأمرهم بعبادة الرحمن وحده لا شريك له, فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه, وهو آية كبيرة على أنه رسول الله.
وأما الثاني, فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة, وعرف سيرته وهديه قبل البعثة, ونشوءه على أكمل الخصال, ثم من بعد ذلك, قد ازدادت مكارمه وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين, فمن عرفها,, وسبر أحواله, عرف أنها لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين, لأنه تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم.
وأما الثالث, فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم, والقرآن الكريم, المشتمل على الإخبارات الصادقة, والأوامر الحسنة, والنهي عن كل قبيح, والمعجزات الباهرة, فجميع الآيات تدخل في هذه الثلاثة.
قوله " بَشِيرًا " أي لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية.
" وَنَذِيرًا " لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي.
" وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ " أي: لست مسئولا عنهم, إنما عليك البلاغ, وعلينا الحساب.

تفسير السعدي
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120)
ولن ترضى عنك -أيها الرسول- اليهود ولا النصارى إلا إذا تركت دينك واتبعتَ دينهم. قل لهم: إن دين الإسلام هو الدين الصحيح. ولئن اتبعت أهواء هؤلاء بعد الذي جاءك من الوحي ما لك عند الله مِن وليٍّ ينفعك, ولا نصير ينصرك. هذا موجه إلى الأمّة عامة وإن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) (البقرة)

"الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب" مُبْتَدَأ "يَتْلُونَهُ حَقّ تِلَاوَته" أَيْ يَقْرَءُونَهُ كَمَا أُنْزِلَ وَالْجُمْلَة حَال وَحَقّ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَر وَالْخَبَر "أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ" نَزَلَتْ فِي جَمَاعَة قَدِمُوا مِنْ الْحَبَشَة وَأَسْلَمُوا "وَمَنْ يَكْفُر بِهِ" أَيْ بِالْكِتَابِ الْمُؤْتَى بِأَنْ يُحَرِّفهُ "فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ" لِمَصِيرِهِمْ إلَى النَّار الْمُؤَبَّدَة عَلَيْهِمْ


تفسير الجلالين
 

طموحـة

مشرفة سابقة
31 أكتوبر 2010
4,028
154
63
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)

وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَة فِي صَدْر السُّورَة وَكُرِّرَتْ هَاهُنَا لِلتَّأْكِيدِ وَالْحَثّ عَلَى اِتِّبَاع الرَّسُول النَّبِيّ الْأُمِّيّ الَّذِي يَجِدُونَ صِفَته فِي كُتُبهمْ وَنَعْته وَاسْمه وَأَمْره وَأُمَّته فَحَذَّرَهُمْ مِنْ كِتْمَان هَذَا وَكِتْمَان مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْكُرُوا نِعْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ النِّعَم الدُّنْيَوِيَّة وَالدِّينِيَّة وَلَا يَحْسُدُوا بَنِي عَمّهمْ مِنْ الْعَرَب عَلَى مَا رَزَقَهُمْ اللَّهُ مِنْ إِرْسَال الرَّسُول الْخَاتَم مِنْهُمْ وَلَا يَحْمِلهُمْ ذَلِكَ الْحَسَدُ عَلَى مُخَالَفَته وَتَكْذِيبه وَالْحَيْد عَنْ مُوَافَقَته صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْم الدِّين .

~تفسير ابن كثير~
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (123)
وخافوا أهوال يوم الحساب إذ لا تغني نفس عن نفس شيئًا, ولا يقبل الله منها فدية تنجيها من العذاب, ولا تنفعها وساطة, ولا أحد ينصرها.
تفسير الميسر..
 

ابو العزام

مراقب الأركان العامة والتقنية
مراقب عام
27 أغسطس 2009
62,369
4,559
113
الجنس
ذكر
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

جزاكم الله خيرا
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) (البقرة)


يخبر تعالى, عن عبده وخليله, إبراهيم عليه السلام, المتفق على إمامته وجلالته, الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدعيه, بل وكذلك المشركون: أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات, أي: بأوامر ونواهي, كما هي عادة الله في ابتلائه لعباده, ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء, والامتحان من الصادق, الذي ترتفع درجته, ويزيد قدره, ويزكو عمله, ويخلص ذهبه.
وكان من أجلهم في هذا المقام, الخليل عليه السلام.
فأتم ما ابتلاه الله به, وأكمله ووفاه, فشكر الله له ذلك, ولم يزل الله شكورا فقال: " إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا " أي: يقتدون بك في الهدى, ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية, ويحصل لك الثناء الدائم, والأجر الجزيل, والتعظيم من كل أحد.
وهذه - لعمر الله - أفضل درجة, تنافس فيها المتنافسون, وأعلى مقام, شمر إليه العاملون, وأكمل حالة حصلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم, من كل صديق متبع لهم, داع إلى الله وإلى سبيله.
فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام, وأدرك هذا, طلب ذلك لذريته, لتعلو درجته ودرجة ذريته.
وهذا أيضا من إمامته, ونصحه لعباد الله, ومحبته أن يكثر فيهم المرشدون.
فلله عظمة هذه الهمم العالية, والمقامات السامية.
فأجابه الرحيم اللطيف, وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام فقال: " لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ " أي: لا ينال الإمامة في الدين, من ظلم نفسه وضرها, وحط قدرها, لمنافاة الظلم لهذا المقام, فإنه مقام, آلته الصبر واليقين.
ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان والأعمال الصالحة, والأخلأق الجميلة, والشمائل السديدة, والمحبة التامة, والخشية والإنابة.
فأين الظلم وهذا المقام؟ ودل مفهوم الآية, أن غير الظالم, سينال الإمامة, ولكن مع إتيانه بأسبابها.


تفسير السعدي...
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع