إعلانات المنتدى


[ آيه فَقَطْ ~ الجزء الأول ],!

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) (البقرة)

ثم ذكر تعالى, أنموذجا باقيا دالا على إمامة إبراهيم, وهو: هذا البيت الحرام الذي جعل قصده, ركنا من أركان الإسلام, حاطا للذنوب والآثام.
وفيه من آثار الخليل وذريته, ما عرف به إمامته, وتذكرت به حالته فقال: " وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ " أي: مرجعا يثوبون إليه, لحصول منافعهم الدينية والدنيوية, يترددون إليه, ولا يقضون منه وطرا.
وجعله " أَمْنًا " يأمن به كل أحد, حتى الوحش, وحتى الجمادات كالأشجار.
ولهذا كانوا في الجاهلية - على شركهم - يحترمونه أشد الاحترام, ويجد أحدهم قاتل أبيه في الحرم, فلا يهيجه.
فلما جاء الإسلام, زاده حرمة وتعظيما, وتشريفا وتكريما.
" وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى " يحتمل أن يكون المراد بذلك, المقام المعروف الذي قد جعل الآن, مقابل باب الكعبة.
وأن المراد بهذا, ركعتا الطواف, يستحب أن تكونا خلف مقام إبراهيم, وعليه جمهور المفسرين.
ويحتمل أن يكون المقام مفردا مضافا, فيعم جميع مقامات إبراهيم في الحج.
وهي المشاعر كلها, من الطواف, والسعي, والوقوف بعرفة, ومزدلفة ورمي الجمار والنحر, وغير ذلك من أفعال الحج.
فيكون معنى قوله: " مُصَلًّى " أي: معبدا, أي: اقتدوا به في شعائر الحج.
ولعل هذا المعنى أولى, لدخول المعنى الأول فيه, واحتمال اللفظ له.
" وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ " أي: أوحينا إليهما, وأمرناهما بتطهير بيت الله من الشرك, والكفر والمعاصي, ومن الرجس والنحاسات, والأقذار, ليكون " لِلطَّائِفِينَ " فيه " وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " أي: المصلين.
قدم الطواف, لاختصاصه بالمسجد الحرام.
ثم الاعتكاف, لأن من شرطه, المسجد مطلقا.
ثم الصلاة, مع أنها أفضل, لهذا المعنى.
وأضاف الباري البيت إليه لفوائد.
منها: أن ذلك يقتضي شدة اهتمام إبراهيم وإسماعيل بتطهيره, لكونه بيت الله.
فيبذلان جهدهما, ويستغرقان وسعهما في ذلك.
ومنها: أن الإضافة, تقتضي التشريف والإكرام.
ففي ضمنها أمر عباده بتعظيمه وتكريمه.
ومنها: أن هذه الإضافة, هي السبب الجالب للقلوب إليه.
أي: وإذ دعا إبراهيم لهذا البيت, أن يجعله الله بلدا آمنا, ويرزق أهله من أنواع الثمرات.



تفسير السعدي...
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير "126")
يقول الحق سبحانه وتعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا" .. ومادام الله قد جعل أمنا فما هي جدوى دعوة إبراهيم أن تكون مكة بلدا آمنا .. نقول إذا رأيت طلبا لموجود فاعلم أن القصد منه هو دوام بقاء ذلك الموجود .. فكأن إبراهيم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن في البيت .. ذلك لأنك عندما تقرأ قول الحق تبارك وتعالى:

{يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا "136"}
(سورة النساء)


هو خاطبهم بلفظ الإيمان ثم طلب منهم أن يؤمنوا .. كيف؟ نقول إن الله سبحانه يأمرهم أن يستمروا ويداوموا على الإيمان .. ولذلك فإن كل مطلوب لموجود هو طلب لاستمرار هذا الموجود. وقول إبراهيم: "رب اجعل هذا بلداً آمنا" .. أي يا رب إذا كنت قد جعلت هذا البيت آمنا من قبل فأمنه حتى قيام الساعة .. ليكون كل من يدخل إليه آمنا لأنه موجود في واد غير ذي زرع .. وكانت الناس في الماضي تخاف أن تذهب إليه لعدم وجود الأمان في الطريق .. أو آمنا أي أن يديم الله على كل من يدخله نعمة الإيمان.
وقوله تعالى: "اجعل هذا بلدا آمنا" تكررت في آية أخرى تقول: "اجعل هذا البلد آمنا" .. فمرة جاء بها نكرة ومرة جاء بها معرفة .. نقول إن إبراهيم حين قال: "رب اجعل هذا البلد آمنا" .. طلب من الله شيئين .. أن يجعل هذا المكان بلدا وأن يجعله آمنا. ما معنى أن يجعله بلدا؟ هناك أسماء تؤخذ من المحسات .. فكلمة غصب تعني سلخ الجلد عن الشاة وكأن من يأخذ شيئا من إنسان غصبا كأنه يسلخه منه بينما هو متمسك به.
كلمة بلد حين تسمعها تنصرف إلي المدينة .. والبلد هو البقة تنشأ في الجلد فتميزه عن باقي الجلد كأن تكون هناك بقعة بيضاء في الوجه أو الذراعين فتكون البقعة التي ظهرت مميزة ببياض اللون .. والمكان إذا لم يكن فيه مساكن ومبان فيكون مستويا بالأرض لا تستطيع أن تميزه بسهولة .. فإذا أقمت فيه مباني جعلت فيه علامة تميزه عن باقي الأرض المحيطة به. وقوله تعالى: "وارزق أهله من الثمرات" .. هذه من مستلزمات الأمن لأنه مادام هناك رزق وثمرات تكون مقومات الحياة موجودة فيبقى الناس في هذا البلد .. ولكن إبراهيم قال: "وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم" فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم .. لماذا؟ لأنه حينما قال له الله:

{إني جاعلك للناس إماماً }
(من الآية 124 سورة البقرة)


قال إبراهيم:

{ومن ذريتي }
(من الآية 124 سورة البقرة)


قال الله سبحانه:

{ لا ينال عهدي الظالمين }
(من الآية 124 سورة البقرة)


فخشى إبراهيم وهو يطلب لمن سيقيمون في مكة أن تكون استجابة الله سبحانه كالاستجابة السابقة .. كأن يقال له لا ينال رزق الله الظالمون فاستدرك إبراهيم وقال: "وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم" .. ولكن الله سبحانه أراد أن يلفت إبراهيم إلي أن عطاء الألوهية ليس كعطاء الربوبية .. فإمامة الناس عطاء الوهية لا يناله إلا المؤمن، أما الرزق فهو عطاء ربوبية يناله المؤمن والكافرلأن الله هو الذي استدعانا جميعا إلي الحياة وكفل لنا جميعا رزقنا .. وكأن الحق سبحانه حين قال: "لا ينال عهدي الظالمين" .. كان يتحدث عن قيم المنهج التي لا تعطي إلا للمؤمن ولكن الرزق يعطي للمؤمن والكافر .. لذلك قال الله سبحانه: "ومن كفر" .. وفي هذا تصحيح مفاهيم بالنسبة لإبراهيم ليعرف أن كل من استدعاه الله تعالى للحياة له رزقه مؤمنا كان أو كافرا والخير في الدنيا على الشيوع. فمادام الله قد استدعاك فإنه ضمن لك رزقك.
إن الله لم يقل للشمس أشرقي على أرض المؤمن فقط، ولم يقل للهواء لا يتنفسك ظالم وإنما أعطى نعمة استبقاء الحياة واستمرارها لكل من خلق آمن أو كفر .. ولكن من كفر قال عنه الله سبحانه وتعالى: "ومن كفر فأمتعة قليلا" .. التمتع هو شيء يحبه الإنسان ويتمنى دوامه وتكراره. وقوله تعالى: "فأمتعه" دليل على دوام متعته، أي له المتعة في الدنيا. ولكل نعمة متعة، فالطعام له متعة والشراب له متعة والجنس له متعة .. إذن التمتع في الدنيا بأشياء متعددة. ولكن الله تبارك وتعالى وصفه بأنه قليل .. لأن المتعة في الدنيا مهما بلغت وتعددت ألوانها فهي قليلة.
واقرأ قوله تعالى: "ثم اضطره إلي عذاب النار" .. ومعنى أضطره أنه لا اختيار له في الآخرة، فكأن الإنسان له اختيار في الحياة الدنيا يأخذ هذا ويترك هذا ولكن في الآخرة ليس له اختيار .. فلا يستطيع وهو من أهل النار مثلا أن يختار الجنة بل إن أعضاءه المسخرة لخدمته في الحياة الدنيا والتي يأمرها بالمعصية فتفعل، لا ولاية له عليها في الآخرة وهذا معنى قوله سبحانه:

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم بما كانوا يعملون "24" }
(سورة النور)


أي أن الجوارح التي كانت تطيع الكافر المعاصي في الدنيا لا تطيعه يوم القيامة؛ فاللسان الذي كان ينطق كلمة الكفر والعياذ بالله يأتي يوم القيامة يشهد على صاحبه .. والقدم التي كانت تمشي إلي أماكن الخمر واللهو والفسوق تشهد على صاحبها، واليد التي كانت تقتل وتسرق تشهد على صاحبها. وقوله: "اضطره" معناه أن الإنسان يفقد اختياره في الآخرة ثم ينتهي إلي النار وإلي العذاب الشديد مصداقا لقوله تعالى: "ثم اضطره إلي عذاب النار وبئس المصير" .. أي أن الله سبحانه وتعالى يحذر الكافرين بأن لهم النار والعذاب في الآخرة ليس على اختيار منهم ولكن وهم مقهورون.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) (البقرة)

أي: واذكر إبراهيم وإسماعيل, في حالة رفعهما القواعد من البيت.
الأساس, واستمرارهما على هذا العمل العظيم.
وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء, حتى إنهما - مع هذا العمل - دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما, حتى يجعل فيه النفع العميم.

تفسير السعدي...
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم "128")
هناك فرق بين أن تكلف بشيء فتفعله بحب، وأن تفعل شكلية التكليف وتخرج من عملك خروج الذي ألقى عن كاهله عبء التكليف .. في هذه الآية الكريمة دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل وكانا يقولان يا رب أنت أمرتنا أن نرفع القواعد من البيت وقد فعلنا ما أمرتنا .. وليس معنى ذلك أننا اكتفينا بتكليفك لنا لأننا نريد أن نذوق حلاوة التكليف منك مرات ومرات .. "ربنا واجعلنا مسلمين لك" نسلم كل أمورنا إليك. إن الإنسان لا يمكن أن ينتهي من تكليف ليطلب تكليفا غيره إلا إذا كان قد عشق حلاوة التكليف ووجد فيه استمتاعا .. ولا يجد الإنسان استمتاعا في التكليف إلا إذا استحضر الجزاء عليه .. كلما عمل شيئا استحضر النعيم الذي ينتظره على هذا العمل فطلب المزيد.
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمجرد أن فرغا من رفع القواعد من البيت قالا: "ربنا واجعلنا مسلمين لك" ولم يكتفيا بذلك بل أرادا امتداد حلاوة التكليف إلي ذريتهما من بعدهما .. فيقولان: "ومن ذريتنا أمة مسلمة" .. ليتصل أمد منهج الله في الأرض ويستمر التكليف من ذرية إلي ذرية إلي يقوم القيامة .. ثم يقولان: "وأرنا مناسكنا" .. أي بين لنا يا رب ما تريده منا. بين لنا كيف نعبدك وكيف نتقرب إليك .. والمناسك هي الأمور التي يريد الله سبحانه وتعالى أن نعبده بها. وقوله:ر"وأرنا مناسكنا" ترينا أن إبراهيم يرغب في فتح أبواب التكليف على نفسه، لأنه لا يرى في كل تكليف إلا تطهيرا للنفس وخيرا للذرية ونعيما في الآخرة .. ولذلك يقول كما يروي لنا الحق: "وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" .. وتب علينا ليس ضروريا أن نفهمها على أنها توبة من المعصية .. وأن إبراهيم وإسماعيل وقعا في المعصية فيريدان التوبة إلي الله .. وإنما لأنهما علما أن من سيأتي بعدهما سيقع في الذنب فطلبا التوبة لذريتهما .. ومن أين علما؟ عندما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم: "ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلي عذاب النار وبئس المصير" ..
لقد طلبا من الله تبارك وتعالى التوبة والرحمة لذريتهما .. والله يحب التوبة من عباده وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة .. لأن المعصية عندما تأخذ الإنسان من منهج الله لتعطيه نفعا عاجلا فإن حلاوة الإيمان ـ إن كان مؤمنا ـ ستجذبه مرة أخرى إلي الإيمان بعيدا عن المعاصي .. ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة وندمت على ما فعلت فإن الله لا يغفر لك ذنوبك فقط ولكن يبدل سيئاتك حسنات .. وقلنا أن تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع كله من أذى وشر كبير .. لأنه لو كان الذنب الواحد يجعلك خالدا في النار ولا توبة بعده لتجبر العصاة وازدادوا شرا .. ولأصيب المجتمع كله بشرورهم وليئس الناس من آخرتهم لأن

<رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون">

لذلك فمن رحمة الله سبحانه أنه شرع لنا التوبة ليرحمنا من شراسة الأذى والمعصية.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) (البقرة)



" رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ " أي: في ذريتنا " رَسُولًا مِنْهُمْ " ليكون أرفع لدرجتهما, ولينقادوا له, وليعرفوه حقيقة المعرفة.
" يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ " لفظا, وحفظا, وتحفيظا " وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " معنى.
" وَيُزَكِّيهِمْ " بالتربية على الأعمال الصالحة والتبري من الأعمال الردية, التي لا تزكي النفس معها.
" إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ " أي: القاهر لكل شيء, الذي لا يمتنع على قوته, شيء.
" الْحَكِيمُ " الذي يضع الأشياء مواضعها.
فبعزتك وحكمتك, ابعث فيهم هذا الرسول.
فاستجاب الله لهما, فبعث الله هذا الرسول الكريم, الذي رحم الله به ذريتهما خاصة, وسائر الخلق عامة.
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام " أنا دعوة أبي إبراهيم " .



تفسير السعدي ...
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين"130")
ما ملة إبراهيم؟ إنها عبادة الله وحده لا شريك له وعشق التكاليف؛ فإبراهيم وفي كل ما كلفه به الله وزاد عليه .. وقابل الابتلاء بالطاعة الصبر .. فعندما ابتلاه الله بذبح ابنه الوحيد لم يتردد وكان يؤدي التكاليف بعشق ويحاول أن يستبقي المنهج السليم في ذريته. قوله تعالى: "ومن يرغب" يعني يعرض ويرفض. ويقال رغب في كذا أي أحبه وأراده. ورغب عن كذا أي صد عنه وأعرض .. والذين يصدون عن ملة إبراهيم ويرفضونها هؤلاء هم السفهاء والجهلة، لذلك قال عنهم الله سبحانه وتعالى: "إلا من سفه نفسه" .. دليل على ضعف الرأي وعدم التفرقة بين النافع والضار .. فعندما يكون هناك من ورثوا مالاً وعم غير ناضجي العقل لا يتفق عقلهم مع سنهم نسميهم السفهاء .. والسفيه هو من لم ينضج رأيه ولذلك تنقل قوامته على ماله إلي ولي أو وصي؛ لأنه بسفهه غير قادر على أن ينفق المال فيما ينفع. والقرآن الكريم يعالج هذه المسألة علاجا دقيقا فيقول:

{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً "5" }
(سورة النساء)


نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى سمى أموال السفهاء بأموالي الولي ولم يعتبرها مال السفيه لأنه ليس أهلا للقيام عليها .. وجعل هذه الأموال تحت إشراف شخص آخر أكثر نضجا وحكمة. وقوله تعالى: "أموالكم" ليكون الولي أو الوصي حريصا عليها كماله أو أكثر ولكن هو قيم فقط .. فإذا بلغ الإنسان سن الرشد أو شفى السفيه من سفاهته يرد إليه ماله ليتصرف فيه. ونحن نرى عددا من الأبناء يرفعون قضايا على آبائهم وأمهاتهم يتهمونهم فيها بالسفه لأنهم لا يحسنون التصرف في أموالهم .. ثم يأخذون هذه الأموال ويبعثرونها هم .. والذي يجب أن يعلمه كل من يقوم بهذه العملية أنه لا حق له في إنفاق المال وتبذيره لحسابه الخاص، ولكن هناك حكمين: إما أن يكون الشخص فقيرا فله أن يأكل بالمعروف .. وإما أن يكون غنيا فيجعل عمله في الولاية لله لا يتقاضى عنه شيئا .. أما أن يأخذ المال ويبعثره على نفسه وشهواته وعلى زوجته وأولاده فهذا مرفوض ويحاسب عليه .. والله سبحانه وتعالى يقول:

{ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف }
(من الآية 6 سورة النساء)


إذن الذي يعرض عن ملة إبراهيم هو سفيه لا يملك عقلا يميز بين الضار والنافع. ويقول الله سبحانه وتعالى: "ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين" .. اصطفاه في الدنيا بالمنهج وبأن جعله إماما وبالابتلاء .. وكثير من الناس يظن أن ارتفاع مقامات بعضهم في أمور الدنيا هو اصطفاء من الله لهم بأن أعطاهم زخرف الحياة الدنيا ويكون هذا مبررا لأن يعتقدوا أن لهم منزلة عالية في الآخرة .. نقول لا، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: "ولقد اصطفيناه في الدنيا" .. وأضاف: "وإنه في الآخرة لمن الصالحين" .. لنعلم أن إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا ونعيم في الآخرة أي الاثنين معا.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) (البقرة)


" إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ " امتثالا لربه " أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " .
إخلاصا وتوحيدا, ومحبة, وإنابة فكان التوحيد لله نعته.
ثم ورثه في ذريته, ووصاهم به, وجعلها كلمة باقية في عقبه, وتوارثت فيهم, حتى وصلت ليعقوب فوصى بها بنيه
.


تفسير السعدي....
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) (البقرة)

فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصاكم أبوكم بالخصوص, فيجب عليكم كمال الانقياد, واتباع خاتم الأنبياء قال: " يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ " أي: اختاره وتخيره لكم, رحمة بكم, وإحسانا إليكم, فقوموا به, واتصفوا بشرائعه, وانصبغوا بأخلاقه, حتى تستمروا على ذلك فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه, لأن من عاش على شيء, مات عليه, ومن مات على شيء, بعث عليه.


تفسير السعدي ....
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون "133")
هذا خطاب من يعقوب ينطبق ويمس اليهود المعاصرين لنزول القرآن الكريم .. يعقوب قال لأبنائه ماذا تعبدون من بعدي: "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون". هذا إقرار من الأسباط أبناء يعقوب بأنهم مسلمون وأن آباءهم مسلمون .. وتأمل دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: "نعبد إلهك وإله آبائك" .. فكأنه لم يحدث بعد موت إبراهيم وحين كان يعقوب يموت لم يحدث أن تغير المعبود وهو الله سبحانه وتعالى الواحد .. ولذلك قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: "إلها واحدا" .. وسنأخذ من هذه الآية لقطة تفيدنا في أشياء كثيرة لأن القرآن سيتعرض في قصة إبراهيم أنه تحدث مع أبيه في شئون العقيدة .. فقال كما يروي لنا القرآن الكريم:

{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبينٍ "74"}
(سورة الأنعام)


ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلالة إسماعيل ابن إبراهيم .. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم). فإذا كان آزر أبو إبراهيم كافراً وعابداً للأصنام .. فكيف تصح سلسلة النسب الشريف؟ نقول إنه لو أن القرآن قال "وإذا قال إبراهيم لأبيه" وسكت لكان المعنى أن المخاطب هو أبو إبراهيم .. ولكن قول الله: "لأبيه آزر" .. جاءت لحكمة. لأنه ساعة يذكر اسم الأب يكون ليس الأب ولكن العم .. فأنت إذا دخلت منزلا وقابلك أحد الأطفال تقول له هل أبوك موجود ولا تقول أبوك فلان لأنه معروف بحيث لن يخطئ الطفل فيه .. ولكن إذا كنت تقصد العم فإنك تسأل الطفل هل أبوك فلان موجود؟ فأنت في هذه الحالة تقصد العم ولا تقصد الأب .. لأن العم في منزلة الأب خصوصا إذا كان الأب متوفيا.
إذن قول الحق سبحانه وتعالى: "لأبيه آزر" بذكر الاسم فمعناه لعمه آزر .. فإذا قال إنسان هل هناك دليل على ذلك؟ نقول نعم هناك دليل من القرآن في هذه الآية الكريمة: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك" .. والآباء جمع أب، ثم حدد الله تبارك وتعالى الآباء، إبراهيم وهو الجد يطلق عليه أب .. وإسماعيل وهو العم يطلق عليه أب واسحق وهو أبو يعقوب وجاء إسماعيل قبل اسحق.
إذن ففي هذه الآية جمع أب من ثلاثة هم إبراهيم وإسماعيل واسحق .. ويعقوب الذي حضره الموت وهو ابن اسحق، ولكن أولاد يعقوب لما خاطبوا أباهم قالوا آباءك ثم جاءوا بأسمائهم بالتحديد .. وهم إبراهيم الجد وإسماعيل العم واسحق أبو يعقوب وأطلقوا عليهم جميعا لقب الأب .. فكأن إسماعيل أطلق عليه الأب وهو العم وإبراهيم أطلق عله الأب وهو الجد واسحق أطلق عليه الأب وهو الأب ..

<فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أشرف الناس حسباً ولا فخر">

يقول بعض الناس كيف ذلك ووالد إبراهيم كان غير مسلم ..

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم">

فإذا قال أحدهم كيف هذا وأبو إبراهيم عليه السلام كان مشركا عابدا للأصنام .. نقول له لم يكن آزر أبا لإبراهيم وإنما كان عمه، ولذلك قال القرآن الكريم "لأبيه آزر" وجاء بالاسم يريد به الأبوة غير الحقيقية .. فأبوة إبراهيم وأبوة اسحق معلومة لأولاد يعقوب .. ولكن إسماعيل كان مقيما في مكة بعيدا عنهم، فلماذا جاء اسمه بين إبراهيم واسحق؟ نقول جاء بالترتيب الزمني لأن إسماعيل اكبر من اسحق بأربعة عشر عاما .. وكونه وصف الثلاثة بأنهم آباء .. إشارة لنا من الله سبحانه وتعالى أن لفظ الأب يطلق على العم .. والله تبارك وتعالى يريدنا أن نتنبه لمعنى كلمة آزر .. ويريد أن يلفتنا أيضا إلي أن تعدد البلاغ عن الله لا يعني تعدد الآلهة .. لذلك قال سبحانه: "إلها واحدا" ..
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) (البقرة)

ثم قال تعالى: " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ " أي: مضت " لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ " أي: كل له عمله, وكل سيجازى بما فعله, لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع أحدا إلا إيمانه وتقواه.
فاشتغالكم به وادعاؤكم, أنكم على ملتهم, والرضا بمجرد القول, أمر فارغ لا حقيقة له.
بل الواجب عليكم, أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها, هل تصلح للنجاة أم لا.


تفسير السعدي ....
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"135")
عندما تأتي ـ قالوا ـ فمعناها إن الذين قالوا جماعة .. الذين قالوا هم اليهود والنصارى ولكن كلا منهم قال قولا مختلفا عن الآخر .. قالت اليهود كونوا هودا. وقالت النصارى كونوا نصارى .. ونحن عندنا عناصر ثلاثة: اليهود والنصارى والمشركون. ويقابل كل هؤلاء المؤمنون .. "وقالوا كونوا" من المقصود بالخطاب؟ المؤمنين .. أو قد يكون المعنى وقالت اليهود للمؤمنين والمشركين والمؤمنين كونوا نصارى .. لأن كل واحد منهما لا يرى الخير إلا في نفسه .. ولكن الإسلام جاء وأخذ من اليهودية موسى وتوراته الصحيحة. وأخذ من المسيحية عيسى وإنجيله الصحيح .. وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك أن الإسلام أخذ وحدة الصفقة الإيمانية المعقودة بين الله سبحانه وبين كل مؤمن .. ولذلك تجد في القرآن الكريم قوله تعالى:

{لا نفرق بين أحدٍ من رسله }
(من الآية 285 سورة البقرة)


ونلاحظ أن المشركين لم يدخلوا في القول لأنهم ليسوا أهل كتاب. قوله تعالى: "بل ملة إبراهيم حنيفا" .. أي رد عليهم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنني سأكون تابعا لدين إبراهيم وهو الحنيفية .. وهم لا يمكن أن يخالفوا في إبراهيم فاليهود اعتبروه نبيا من أنبيائهم .. والنصارى اعتبروه نبيا من أنبيائهم ولم ينفوا عنه النبوة ولكن كلا منهم أراد أن ينسبه لنفسه. ما معنى حنيفا؟ إن الاشتقاقات اللفظية لابد أن يكون لها علاقة بالمعنى اللغوي .. الحنف ميل في القدمين أن تميل قدم إلي أخرى .. هو تقوس في القدمين فتميل القدم اليمنى إلي اليسار أو اليسرى إلي اليمين هذا هو الحنف .. ولكن كيف يؤتي بلفظ يدل على العوج ويجعله رمزا للصراط المستقيم؟
لقد قلنا إن الرسل لا يأتون إلا عندما تعم الغفلة منهج الله .. لأنه مادام وجد من اتباع الرسول من يدعو إلي منهجه ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يكون هناك خير. النفس البشرية لها ألوان .. فهناك النفس اللوامة تصنع شرا مرة فيأتي من داخل النفس ما يستنكر هذا الشر فتعود إلي الخير .. ولكن هناك النفس الأمارة بالسوء وهي التي لا تعيش إلا في الشر تأمر به وتغري الآخرين بفعله .. إذا فسد المجتمع وأصبحت النفوس أمارة بالسوء ينطبق عليها قول الحق سبحانه:

{كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه}
(من الآية 79 سورة المائدة)


تتدخل السماء برسول يعالج اعوجاج المجتمع .. ولكن الله تبارك وتعالى وضع عنصر الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلي قيام الساعة. قال تعالى:

{كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون "110" }
(سورة آل عمران)


إذن فقد ائتمن الله تبارك وتعالى أمة محمد على المنهج .. ومادام فيها من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فلن يأتي رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم. نعود إلي قوله تعالى حنيفا .. قلنا إن الحنف هو الاعوجاج .. ونقول إن الاعوجاج عن المعوج اعتدال .. والرسل لا يأتون إلا بعد اعوجاج كامل في المجتمع .. ليصرفوا الناس عن الاعوجاج القائم فيميلون إلي الاعتدال .. لأن مخالفة الاعوجاج اعتدال .. وقوله تعالى: "حنيفا" تذكرنا بنعمة الله على الوجود كله لأنه يصحح غفلة البشر عن منهج الله ويأخذ الناس من الاعوجاج الموجود إلي الاعتدال .. والهداية عند اليهود والنصارى ومفهومها تحقيق شهوات نفوسهم لأن بشرا يهدي بشرا .. والله سبحانه وتعالى قال:

{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }
(من الآية 120 سورة البقرة)


ولقد تعايش رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مع اليهود ولكنهم حاربوه ولم يرضوا عنه .. وإبراهيم عليه السلام كان مؤمنا حقا ولم يكن مشركا ..
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) (البقرة)


هذه الآية الكريمة, قد اشتملت على جميع ما يجب الإيمان به.
واعلم أن الإيمان الذي هو تصديق القلب التام, بهذه الأصول, وإقراره المتضمن لأعمال القلوب والجوارح.
وهو - بهذا الاعتبار - يدخل فيه الإسلام, وتدخل فيه الأعمال الصالحة كلها.
فهي من الإيمان, وأثر من آثاره.
فحيث أطلق الإيمان, دخل فيه ما ذكر.
وكذلك الإسلام, إذا أطلق دخل فيه الإيمان.
فإذا قرن بينهما, كان الإيمان اسما لما في القلب من الإقرار والتصديق.
والإسلام, اسما للأعمال الظاهرة.
وكذلك إذا جمع بين الإيمان والأعمال الصالحة.
فقوله تعالى: " قُولُوا " أي: بألسنتكم, متواطئة عليها قلوبكم.
وهذا هو القول التام, المترتب عليه الثواب والجزاء.
فكما أن النطق باللسان, بدون اعتقاد القلب, نفاق وكفر.
فالقول الخالي من العمل عمل القلب, عديم التأثير, قليل الفائدة, وإن كان العبد يؤجر عليه, إذا كان حيرا ومعه أصل الإيمان.
لكن فرق بين القول المجرد, والمقترن به عمل القلب.
وفي قوله " قُولُوا " إشارة إلى الإعلان بالعقيدة, والصدع بها, والدعوة لها, إذ هي أصل الدين وأساسه.
وفي قوله: " آمَنَّا " ونحوه, مما فيه صدور الفعل, منسوبا إلى جميع الأمة, إشارة إلى أنه يجب على الأمة, الاعتصام بحبل الله جميعا, والحث على الائتلاف حتى يكون داعيهم واحدا, وعملهم متحدا, وفي ضمنه النهي عن الافتراق.
وفيه: أن المؤمنين كالجسد الواحد.
وفي قوله: " قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ " إلخ دلالة على جواز إضافة الإنسان إلى نفسه الإيمان, على وجه التقييد, بل على وجوب ذلك.
بخلاف قوله " أنا مؤمن " ونحوه, فإنه لا يقال إلا مقرونا بالاستثناء بالمشيئة, لما فيه من تزكية النفس, والشهادة على نفسه بالإيمان.
فقوله: " آمَنَّا بِاللَّهِ " أي: بأنه واجب الوجود, واحد أحد, متصف بكل صفة كمال, منزه عن كل نقص وعيب, مستحق لإفراده بالعبادة كلها, وعدم الإشراك به في شيء منها, بوجه من الوجوه.
" وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا " يشمل القرآن والسنة لقوله تعالى: " وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ " فيدخل فيه الإيمان بما تضمنه كتاب الله وسنة رسوله, من صفات الباري, وصفات رسله, واليوم الآخر, والغيوب الماضية والمستقبلة, والإيمان بما تضمنه ذلك من الأحكام الأمرية الشرعية, وأحكام الجزاء وغير ذلك.
" وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ " إلى آخر الآية.
فيه الإيمان بجميع الكتب المنزلة على جميع الأنبياء.
والإيمان بالأنبياء عموما وخصوصا, ما نص عليه في الآية, لشرفهم ولإتيانهم بالشرائع الكبار.
فالواجب في الإيمان بالأنبياء والكتب, أن يؤمن بهم على وجه العموم والشمول.
ثم ما عرف منهم بالتفصيل, وجب الإيمان به مفصلا.
وقوله: " لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ " أي: بل نؤمن بهم كلهم.
هذه خاصية المسلمين, التي انفردوا بها عن كل من يدعي أنه على دين.
فاليهود والنصارى والصابئون وغيرهم - وإن زعموا أنهم يؤمنون بما يؤمنون به من الرسل والكتب - فإنهم يكفرون بغيره.
فيفرقون بين الرسل والكتب, بعضها يؤمنون به وبعضها يكفرون به.
وينقض تكذيبهم تصديقهم.
فإن الرسول الذي زعموا, أنهم قد آمنوا به, قد صدق سائر الرسل وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم.
فإذا كذبوا محمدا, فقد كذبوا رسولهم فيما أخبرهم به, فيكون كفرا برسولهم.
وفي قوله: " وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ " دلالة على أن عطية الدين, هي العطية الحقيقية المتصلة بالسعادة الدنيوية والأخروية.
لم يأمرنا أن نؤمن بما أوتي الأنبياء من الملك والمال ونحو ذلك.
بل أمرنا أن نؤمن بما أعطوا من الكتب والشرائع.
وفيه أن الأنبياء مبلغون عن الله, ووسائط بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه, ليس لهم من الأمر شيء.
وفي قوله: " مِنْ رَبِّهِمْ " إشارة إلى أنه من كمال ربوبيته لعباده, أن ينزل عليهم الكتب, ويرسل إليهم الرسل, فلا تقتضي ربوبيته, تركهم سدى ولا هملا.
وإذا كان ما أوتي النبيون, إنما هو من ربهم, ففيه الفرق بين الأنبياء وبين من يدعي النبوة, وأنه يحصل الفرق بينهم بمجرد معرفة ما يدعون إليه.
فالرسل لا يدعون إلا إلى الخير, ولا ينهون إلا عن كل شر.
وكل واحد منهم, يصدق الآخر, ويشهد له بالحق, من غير تخالف ولا تناقض لكونه من عند ربهم " وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " .
وهذا بخلاف من ادعى النبوة, فلا بد أن يتناقضوا في أخبارهم وأوامرهم ونواهيهم, كما يعلم ذلك من سبر أحوال الجميع, وعرف ما يدعون إليه.
فلما بين تعالى جميع ما يؤمن به, عموما وخصوصا, وكان القول لا يغني عن العمل قال: " وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " أي: خاضعون لعظمته, منقادون لعبادته, بباطننا وظاهرنا, مخلصون له العبادة.
بدليل تقديم المعمول, وهو " لَهُ " على العامل وهو " مُسْلِمُونَ " .
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة - على إيجازها واختصارها - على أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية, وتوحيد الألوهية, وتوحيد الأسماء والصفات.
واشتملت على الإيمان بجميع الرسل, وجميع الكتب.
وعلى التخصيص الدال على الفضل, بعد التعميم.
وعلى التصديق بالقلب واللسان والجوارح والإخلاص لله في ذلك.
وعلى الفرق بين الرسل الصادقين, ومن ادعى النبوة من الكاذبين.
وعلى تعليم الباري عباده, كيف يقولون, ورحمته وإحسانه عليهم بالنعم الدينية المتصلة بسعادة الدنيا والآخرة.
فسبحان من جعل كتابه تبيانا لكل شيء, وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.



تفسير السعدي...
 

طموحـة

مشرفة سابقة
31 أكتوبر 2010
4,028
154
63
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

‏ ‏{‏فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ‏} 137

أي‏:‏ فإن آمن أهل الكتاب{‏بمثل ما آمنتم به‏}ـ يا معشر المؤمنين ـ من جميع الرسل‏,‏ وجميع الكتب‏,‏ الذين أول من دخل فيهم‏,‏ وأولى خاتمهم وأفضلهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن‏,‏ وأسلموا لله وحده‏,‏ ولم يفرقوا بين أحد من رسل الله {‏فَقَدِ اهْتَدَوْا‏}‏ للصراط المستقيم‏,‏ الموصل لجنات النعيم، أي‏:‏ فلا سبيل لهم إلى الهداية‏,‏ إلا بهذا الإيمان،

لا كما زعموا بقولهم‏:‏ ‏
{‏كونوا هودا أو نصارى تهتدوا‏}‏ فزعموا أن الهداية خاصة بما كانوا عليه، و ‏"‏الهدى‏"‏ هو العلم بالحق‏,‏ والعمل به‏,‏ وضده الضلال عن العلم والضلال عن العمل بعد العلم‏,‏ وهو الشقاق الذي كانوا عليه‏,‏ لما تولوا وأعرضوا،
فالمشاق‏:‏ هو الذي يكون في شق والله ورسوله في شق، ويلزم من المشاقة المحادة‏,‏ والعداوة البليغة‏,‏ التي من لوازمها‏,‏ بذل ما يقدرون عليه من أذية الرسول،

فلهذا وعد الله رسوله‏,‏ أن يكفيه إياهم‏,‏ لأنه السميع لجميع الأصوات‏,‏ باختلاف اللغات‏,‏ على تفنن الحاجات‏,‏ العليم بما بين أيديهم وما خلفهم‏,‏ بالغيب والشهادة‏,‏ بالظواهر والبواطن، فإذا كان كذلك‏,‏ كفاك الله شرهم‏.‏
وقد أنجز الله لرسوله وعده‏,‏ وسلطه عليهم حتى قتل بعضهم‏,‏ وسبى بعضهم‏,‏ وأجلى بعضهم‏,‏ وشردهم كل مشرد‏.
ففيه معجزة من معجزات القرآن‏,‏ وهو الإخبار بالشيء قبل وقوعه‏,‏ فوقع طبق ما أخبر‏.‏

تفسير السعدي
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) (البقرة)

أي: الزموا صبغة الله, وهو دينه, وقوموا به قياما تاما, بجميع أعماله الظاهرة والباطنة, وجميع عقائده في جميع الأوقات, حتى يكون لكم صبغة, وصفة من صفاتكم.
فإذا كان صفة من صفاتكم, أوجب ذلك لكم الانقياد لأوامره, طوعا واختيارا ومحبة, وصار الدين طبيعة لكم بمنزلة الصبغ التام للثوب الذي صار له صفة, فحصلت لكم السعادة الدنيوية والأخروية, لحث الدين على مكارم الأخلاق, ومحاسن الأعمال, ومعالي الأمور.
فلهذا قال - على سبيل التعجب المتقرر للعقول الزكية-: " وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً " أي: لا أحسن صبغة من صبغته.
وإذا أردت أن تعرف نموذجا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصبغ, فقس الشيء بضده.
فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانا صحيحا, أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح.
فلم يزال يتحلى بكل وصف حسن, وفعل جميل, وخلق كامل, ونعت جليل.
ويتخلى من كل وصف قبيح, ورذيلة وعيب.
فوصفه, الصدق في قوله وفعله, والصبر والحلم, والعفة, والشجاعة, والإحسان القولي والفعلي, ومحبة الله وخشيته, وخوفه, ورجاؤه.
فحاله الإخلاص للمعبود, والإحسان لعبيده.
فقسه بعبد كفر بربه, وشرد عنه, وأقبل على غيره من المخلوقين.
فاتصف بالصفات القبيحة, من الكفر, والشرك والكذب, والخيانة, المكر, والخداع, وعدم العفة, والإساءة إلى الخلق, في أقواله, وأفعاله.
فلا إخلاص للمعبود, ولا إحسان إلى عبيده.
فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما, ويتبين لك أنه لا أحسن من صبغة الله, وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة ممن انصبغ بغير دينه.
وفي قوله: " وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ " بيان لهذه الصبغة, وهي القيام بهذين الأصلين, الإخلاص والمتابعة, لأن " العبادة " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه, من الأعمال, والأقوال الظاهرة والباطنة.
ولا تكون كذلك, حتى يشرعها الله على لسان رسوله.
والإخلاص أن يقصد العبد وجه الله وحده, في تلك الأعمال.
فتقديم المعمول, يؤذن بالحصر.
وقال: " وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ " فوصفهم باسم الفاعل الدال على الثبوت والاستقرار, ليدل على اتصافهم بذلك.


تفسير السعدي...
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139)
قل -أيها الرسول لأهل الكتاب-: أتجادلوننا في توحيد الله والإخلاص له, وهو رب العالمين جميعًا, لا يختص بقوم دون قوم, ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم, ونحن لله مخلصو العبادة والطَّاعة لا نشرك به شيئًا, ولا نعبد أحدًا غيره.


تفسير الميسر..
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون"140")
اليهود والنصارى ادعوا أن الأنبياء السابقين لموسى وعيسى كانوا يهودا أو نصارى. فاليهود ادعوا أنهم كانوا يهودا. والنصارى ادعوا أنهم كانوا نصارى، الله سبحانه وتعالى يرد عليهم بقوله: "قل أأنتم أعلم أم الله". والسؤال هنا لا يوجد له إلا رد واحد لأنهم لن يستطيعوا أن يقولوا نحن أعلم من الله .. وقلنا إنه إذا طرح سؤال في القرآن الكريم فلابد أن يكون جوابه مؤيدا بما يريده الحق سبحانه وتعالى ولا يوجد له إلا جواب واحد .. ولذلك فإن قوله تعالى: "أأنتم أعلم أم الله" والله لاشك أعلم وهذا واقع.
إذن فكأن الله بالسؤال قد أخبر عن القضية .. ولكن يلاحظ في الآية الكريمة ذكر إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط .. وفي ذكر إسماعيل دائما مع اسحق ويعقوب يدل على وحدة البلاغ الإيماني عن الله؛ لأن إسماعيل كان في أمة العرب واسحق ويعقوب كانا في بني إسرائيل. والحق سبحانه وتعالى يتحدث عن وحدة المصدر الإيماني لخلقه؛ لأنه لا علاقة أن يكون إسماعيل للعرب واسحق لغير العرب بوحدة المنهج الإلهي. ولذلك تقرأ قول الحق تعالى:

{قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونح له مسلمون }
(من الآية 133 سورة البقرة)


والله الذي بعث إسماعيل هو الله الذي بعث اسحق إله واحد أحد .. ومادام الإله واحداً فالمنهج الإيماني لابد أن يكون واحدا .. فإذا حدث خلاف فالخلاف من البشر الذين يحرفون المنهج ليحققوا شهوات ومكاسب لهم .. وكل نفس لها ما كسبت فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يضيف إليكم شيئا في الآخرة .. إن كانوا مؤمنين فلن ينفعكم أن تكفروا وأن تقولوا نحن ننتسب إلي إبراهيم وإسماعيل واسحق .. وإن كانوا غير ذلك فلا يضركم شيئا.
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141)
تلك أُمَّة من أسلافكم قد مضَتْ, لهم أعمالهم ولكم أعمالكم, ولا تُسْألون عن أعمالهم, وهم لا يُسْألون عن أعمالكم. وفي الآية قطع للتعلق بالمخلوقين, وعدم الاغترار بالانتساب إليهم, وأن العبرة بالإيمان بالله وعبادته وحده, واتباع رسله, وأن من كفر برسول منهم فقد كفر بسائر الرسل.

تفسير الميسر..
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

عند هذه الآيه خلص الجزء الأول....
وش رايك تفتحين موضوع جديد أختي شمس :zhr:
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع