إعلانات المنتدى


[ آيه فَقَطْ ~ الجزء الأول ],!

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين "90")
عندما رفض اليهود الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وطردهم الله من رحمته .. بين لنا أنهم: "بئسما اشتروا به أنفسهم" .. وكلمة اشترى سبق الحديث عنها وقلنا إننا عادة ندفع الثمن ونأخذ السلعة التي نريدها .. ولكن الكافرين قلبوا هذا رأسا على عقب وجعلوا الثمن سلعة .. على أننا لابد أن نتحدث أولا عن الفرق بين شرى واشترى .. شرى بمعنى باع .. واقرأ قوله عز وجل:

{وشروه بثمن بخسٍ دراهم معدودةٍ وكانوا فيه من الزاهدين "20"}
(سورة يوسف)


ومعنى الآية الكريمة أنهم باعوه بثمن قليل .. واشترى يعني ابتاع .. ولكن اشترى قد تأتي بمعنى شرى .. لأنك في بعض الأحيان تكون محتاجا إلي سلعة ومعك مال .. وتذهب وتشتري السلعة بمالك وهذا هو الوضع السليم .. ولكن لنفرض أنك احتجت لسلعة ضرورية كالدواء مثلا .. وليس عندك المالك ولكن عندك سلعة أخرى كأن يكون عندك ساعة أو قلم فاخر .. فتذهب إلي الصيدلية وتعطي الرجل سلعة مقابل سلعة .. أصبح الثمن في هذه الحالة مشترى .. إذن فمرة يكون البيع مشتري ومرة يكون مبيعاً ..
والحق تبارك وتعالى يقول: "بئسما اشتروا به أنفسهم" .. وكأنما يعيرهم بأنهم يدعون الذكاء والفطنة .. ويؤمنون بالمادية وأساسها البيع والشراء .. لو كانوا حقيقة يتقنون هذا لعرفوا أنهم قد أتموا صفقة خاسرة .. الصفقة الرابحة كانت أن يشتروا أنفسهم مقابل التصديق بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم .. ولكنهم باعوا أنفسهم واشتروا الكفر فخسروا الصفقة لأنهم أخذوا الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة .. والله سبحانه وتعالى يجعل بعض العذاب في الدنيا ليستقيم ميزان الأمور حتى عند من لم يؤمن بالآخرة .. فعندما يرى ذلك من لا يؤمن بالآخرة عذابا دنيويا يقع على ظالم .. يخاف من الظلم ويبتعد عنه حتى لا يصيبه عذاب الدنيا ويعرف أن في الدنيا مقاييس في الثواب والعقاب .. وحتى لا ينتشر في الأرض فساد من لا يؤمن بالله ولا بالآخرة .. وضع الحق تبارك وتعالى قصاصا في الدنيا .. واقرأ قوله جل جلاله:

{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "179" }
(سورة البقرة)


والله سبحانه وتعالى في قصاصه يلفت المؤمن وغير المؤمن إلي عقوبة الحياة الدنيا .. فيأتي للمرابي الذي يمتص دماء الناس ويصيبه بكارثة لا يجد بعدها ما ينفقه .. ولذلك نحن نقول يا رب إن القوم غرهم حلمك واستبطأوا آخرتك فخذهم ببعض ذنوبهم أخذ عزيز مقتدر حتى يعتدل الميزان.
والله تبارك وتعالى جعل مصارع الظالمين والباغين والمتجبرين في الدنيا .. جعلها الله عبرة لمن لا يعتبر بمنهج الله. فتجد إنسانا ابتعد عن دينه وأقبلت عليه الدنيا بنعيمها ومجدها وشهرتها ثم تجده في آخر أيامه يعيش على صدقات المحسنين .. وتجد امرأة غرها المال فانطلقت تجمع من كل مكان حلالا أو حراما وأعطتها الدنيا بسخاء .. وفي آخر أيامها تزول عنها الدنيا فلا تجد ثمن الدواء .. وتموت فيجمع لها الناس مصاريف جنازتها .. كل هذه الأحداث وغيرها عبرة للناس .. ولذلك فهي تحدث على رؤوس الأشهاد .. يعفرها عدد كبير من الناس .. إما لأنها تنشر في الصحف وإما أنها تذاع بين أهل الحي فيتناقلونها .. المهم أنها تكون مشهور.
وتجد مثلا أن اليهود الذين كانوا زعماء المدينة تجار الحرب والسلاح .. ينتهي بهم الحال أن يطردوا من ديارهم وتؤخذ أموالهم وتسبى نساؤهم .. أليس هذا خزيا؟ قوله تعالى: "أن يكفروا يما أنزل الله بغيا" .. البغي تجاوز الحد، والله جعل لكل شيء حدا من تجاوزه بغى .. والحدود التي وضعها الله سبحانه هي أحكام .. ومرة تكون أوامر ومرة تكون نواهي. ولذلك يقول الحق بالنسبة للأوامر:

{تلك حدود الله فلا تعتدوها }
(من الآية 229 سورة البقرة)

ويقول تعالى بالنسبة للنواهي:

{تلك حدود الله فلا تقربوها }
(من الآية 229 سورة البقرة)


ولكن ما سبب بغيهم؟ ببغيهم حسد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي إليه الرسالة .. وعلى العرب أن يكون الرسول منهم .. واليهود اعتقدوا لكثرة أنبيائهم أنهم الذين ورثوا رسالات الله إلي الأرض .. وعندما جاءت التوراة والإنجيل يبشران برسول خاتم قالوا إنه منا .. الرسالة والنبوة لن تخرج عنا فنحن شعب الله المختار .. ولذلك كانوا يعلنون أنهم سيتبعون النبي القادم وينصرونه .. ولكنهم فوجئوا بأنه ليس منهم .. حينئذ ملأهم الكبر والحسد وقالوا مادام ليس منا فلن نتبعه بل سنحاربه .. لقد خلعت منهم الرسالات لأنهم ليسوا أهلا لها .. وكان لابد أن يعاقبهم الله على كفرهم ومعصيتهم ويجعل الرسالة في أمة غيرهم .. والله تبارك وتعالى يقول:

{إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17" }
(سورة فاطر)


لقد اختبرهم الله في رسالات متعددة ولكنهم كما قرأنا في الآيات السابقة .. كذبوا فريقا من الأنبياء. ومن لم يكذبوه قتلوه .. لذلك كان لابد أن ينزع الله منهم هذه الرسالات ويجعلها في أمة غيرهم .. لتكون أمة العرب فيها ختام رسالات السماء إلي الأرض .. ولذلك بغوا.
وقوله تعالى: "بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده" .. ومن هنا نعرف أن الرسالات واختيار الرسل .. فضل من الله يختص به من يشاء .. والله سبحانه حين يطلق أيدينا ويملكنا الأسباب .. فإننا لا نخرج عن مشيئته بل نخضع لها .. ونعرف أنه لا ذاتية في هذا الكون .. وذلك حتى لا يغتر الإنسان بنفسه .. فإن بطل العالم في لعبة معينة هو قمة الكمالات البشرية في هذه اللعبة .. ولكن هذه الكمالات ليست ذاتية فيه لأن غيره يمكن أن يتغلب عليه .. ولأنه قد يصيبه أي عائق يجعله لا يصلح للبطولة .. وعلى كل حال فإن بطولته لا تدوم .. لأنها ليست ذاتية فيه ومن وهبها له وهو الله سيهبها لغيره متى شاء .. ولذلك لابد أن يعلم الإنسان أن الكمال البشري متغير لا يدوم لأحد .. وأن كل من يبلغ القمة ينحدر بعد ذلك لأننا في عالم أغيار .. ولابد لكل من علا أن ينزل .. فالكمال لله وحده .. والله سبحانه يحرس كماله بذاته.
إذن اليهود حسدوا رسول الله .. حسدوا نزول القرآن على العرب .. والحق سبحانه يقول: "فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين" .. والله جل جلاله يخبرنا أنه غضب عليهم مرتين. الغضب الأول أنهم لم ينفذوا ما جاء في التوراة فغضب الله عليهم .. والغضب الثاني حين جاءهم رسول مذكور عندهم في التوراة ومطلوب منهم أن يؤمنوا به فكفروا به .. وكان المفروض أن يؤمنوا حتى يرضى الله عنهم .. ولذلك غضب الله عليهم مرة أخرى عندما كفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب مهين" .. العذاب في القرآن الكريم وصف بأنه أليم .. ووصف بأنه عظيم ووصف بأنه مهين .. أليم أي شديد الألم يصيب من يعذب بألم شديد .. ولكن لنفرض أن الذي يعذب يتجلد .. ويحاول ألا يظهر الألم حتى لا يشمت فيه الناس .. يأتيه الله بعذاب عظيم لا يقدر على احتماله .. ذلك أن عظمة العذاب تجعله لا يستطيع أن يحتمل .. فإذا كان الإنسان من الذين تزعموا الكفر في الدنيا .. ووقفوا أمام دين الله يحاربونه وتزعموا قومهم .. يأتيهم الله تبارك وتعالى بعذاب مهين .. ويكون هذا أكثر إيلاما للنفس من الألم .. تماما كما تأتي لرجل هو أقوى من في المنطقة يخافه الناس جميعا ثم تضربه بيدك وتسقطه على الأرض .. تكون في هذه الحالة قد أهنته أمام الناس .. فلا يستطيع بعد ذلك أن يتجبر أو يتكبر على واحد منهم .. ويكون هذا أشد إيلاما للنفس من ألم العذاب نفسه ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً "69" ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً "70" }
(سورة مريم)


وقوله جل جلاله:

{ذق إنك أنت العزيز الكريم "49" }
(سورة الدخان)


ذلك هو العذاب المهين.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)

وإذا قال بعض المسلمين لليهود: صدِّقوا بما أنزل الله من القرآن, قالوا: نحن نصدِّق بما أنزل الله على أنبيائنا, ويجحدون ما أنزل الله بعد ذلك, وهو الحق مصدقًا لما معهم. فلو كانوا يؤمنون بكتبهم حقًا لآمنوا بالقرآن الذي صدَّقها. قل لهم -يا محمد-: إن كنتم مؤمنين بما أنزل الله عليكم, فلماذا قتلتم أنبياء الله مِن قبل؟
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)
ولقد جاءكم نبي الله موسى بالمعجزات الواضحات الدالة على صدقه, كالطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع, وغير ذلك مما ذكره الله في القرآن العظيم, ومع ذلك اتخذتم العجل معبودًا, بعد ذهاب موسى إلى ميقات ربه, وأنتم متجاوزون حدود الله.
تفسير الميسر..
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!


وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)

واذكروا حين أَخَذْنا عليكم عهدًا مؤكدًا بقَبول ما جاءكم به موسى من التوراة, فنقضتم العهد, فرفعنا جبل الطور فوق رؤوسكم, وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم بجدٍّ, واسمعوا وأطيعوا, وإلا أسقطنا الجبل عليكم, فقلتم: سمعنا قولك وعصينا أمرك; لأن عبادة العجل قد امتزجت بقلوبكم بسبب تماديكم في الكفر. قل لهم -أيها الرسول-: قَبُحَ ما يأمركم به إيمانكم من الكفر والضلال, إن كنتم مصدِّقين بما أنزل الله عليكم.

 

طموحـة

مشرفة سابقة
31 أكتوبر 2010
4,028
154
63
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلْءَاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿94﴾
قل -أيها الرسول- لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم; لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس, وأنهم أبناؤه وأحباؤه: إن كان الأمر كذلك فادْعُوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت, إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.

~
تفسير الميسر ~
 

فتاة الأمل

مشرفة سابقة
29 نوفمبر 2009
5,701
104
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

ماشاء الله ...
متابعه لكم اسأل الله ان يجزل لكم الاجر والثواب...
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين " 95")
إنهم لن يتمنوا الموت أبدا بل يخافوه .. والله تبارك وتعالى حين أنزل هذه الآية .. وضع قضية الإيمان كله في يد اليهود .. بحيث يستطيعون إن أرادوا أن يشككوا في هذا الدين .. كيف؟ ألم يكن من الممكن عندما نزلت هذه الآية أن يأتي عدد من اليهود ويقولوا ليتنا نموت .. نحن نتمنى الموت يا محمد. فادع لنا ربك يميتنا .. ألم يكن من الممكن أن يقولوا هذا؟ ولو نفاقا .. ولو رياءً ليهدموا هذا الدين .. ولكن حتى هذه لم يقولوها ولم تخطر على بالهم .. انظر إلي الإعجاز القرآني في قوله سبحانه: "ولن يتمنوه".
لقد حكم الله سبحانه حكما نهائيا في أمر اختياري لعدو يعادي الإسلام .. وقال إن هذا العدو وهم اليهود لن يتمنوا الموت .. وكان من الممكن أن يفطنوا لهذا التحدي .. ويقولوا بل نحن نتمنى الموت ونطلبه من الله .. ولكن حتى هذه لم تخطر على بالهم؛ لأن الله تبارك وتعالى إذا حكم في أمر اختياري فهو يسلب من أعداء الدين تلك الخواطر التي يمكن أن يستخدموها في هدم الدين .. فلا تخطر على بالهم أبدا مثلما تحداهم الله سبحانه من قبل في قوله تعالى:

{سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبيلتهم التي كانوا عليها }
(من الآية 142 سورة البقرة)


ولقد نزلت هذه الآية الكريمة قبل أن يقولوا .. بدليل استخدام حرف السين في قوله: "سيقول" .. ووصفهم الله جل جلاله بالسفهاء .. ومع ذلك فقد قالوا .. ولو أن عقولهم تنبهت لسكتوا ولم يقولوا شيئا .. وكان في ذلك تحدٍ للقرآن الكريم .. كانوا سيقولون لقد قال الله سبحانه وتعالى: "سيقول السفهاء من الناس" .. ولكن أحدا لم يقل شيئا فأين هم هؤلاء السفهاء ولماذا لم يقولوا؟ وكان هذا يعتبر تحديا للقرآن الكريم في أمر يملكون فيه حرية الاختيار .. ولكن لأن الله هو القائل والله هو الفاعل .. لم يخطر ذلك على بالهم أبدا، وقالوا بالفعل.
في الآية الكريمة التي نحن بصددها .. تحداهم القرآن أن يتمنوا الموت ولم يتمنوه .. وكان الكلام المنطقي مادامت الدار الآخرة خالصة لهم .. والله تحداهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين لتمنوه .. ليذهبوا إلي نعيم أبدي .. ولكن الحق حكم مسبقا أن ذلك لن يحدث منهم .. لماذا؟ لأنهم كاذبون ويعلمون أنهم كاذبون .. لذلك فهم يهربون من الموت ولا يتمنونه. انظروا مثلا إلي العشرة المبشرين بالجنة .. عمار بن ياسر في الحرب في حنين .. كان ينشد وهو يستشهد الآن ألقى الأحبة محمدا وصحبه .. كان سعيدا لأنه أصيب وكان يعرف وهو يستشهد أنه ذاهب إلي الجنة عند محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته .. هكذا تكون الثقة في الجزاء والبشرى بالجنة .. وعبد الله بن رواحة كان يحارب وهو ينشد ويقول:
يا حبـذا الجـنة واقتـرابـها طيـبة وبـارد وشـرابـها
والإمام علي رضي الله عنه يدخل معركة حنين ويرتدي غلالة ليس لها دروع .. لا ترد سهما ولا طعنة رمح .. حتى إن ابنه الحسن يقول له: يا أبي ليست هذه لباس حرب .. فيرد علي كرم الله وجهه: يا بني إن أباك لا يبالي أسقط على الموت أم سقط الموت عليه .. وسيدنا حذيفة بن اليمان ينشد وهو يحتضر .. حبيب جاء على ناقة لا ربح من ندم .. إذن الذين يثقون بآخرتهم يحبون الموت. وفي غزوة بدر سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يا رسول الله أليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فيقتلوني .. فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم .. وكان في يد الصحابي تمرات يمضغها .. فيستبطئ أن يبقى بعيدا عن الجنة حتى يأكل التمرات فيلقيها من يده ويدخل المعركة ويستشهد.
هؤلاء هم الذين يثقون بما عند الله في الآخرة .. ولكن اليهود عندما تحداهم القرآن الكريم بقوله لهم: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" .. سكنوا ولم يجيبوا .. ولو تمنوا الموت لانقطع نفس الواحد منهم وهو يبلع ريقه فماتوا جميعا .. قد يقول قائل وهل التمني باللسان؟ ربما تمنوا بالقلب .. نقول ما هو التمني؟ نقول إن التمني هو أن تقول لشيء محبوب عندك ليته يحدث. فهو قول .. وهب أنه عمل قلبي فلو أنهم تمنوا بقلوبهم لأطلع الله عليها وأماتهم في الحال .. ولكن مادام الحق تبارك وتعالى قال: "ولن يتمنوه أبدا" .. فهم لن يتمنوه سواء كان باللسان أو بالقلب .. لأن الإدعاء منهم بأن لهم الجنة عند الله خالصة أشبهة بقولهم الذي يرويه لنا القرآن في قوله سبحانه:

{وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "80" }
(سورة البقرة)


وقوله تعالى: "بما قدمت أيديهم" .. أي أن أعمالهم السيئة تجعلهم يخافون الموت .. أما صاحب الأعمال الصالحة فهو يسعد بالموت .. ولذلك نسمع أن فلانا حين مات كان وجهه أشبه بالبدر لأن عمله صالح .. فساعة الموت يعرف فيها الإنسان يقينا أنه ميت .. فالإنسان إذا مرض يأمل في الشفاء ويستبعد الموت .. ولكن ساعة الغرغرة يتأكد الإنسان أنه ميت ويستعرض حياته في شريط عاجل .. لأنه في هذه الساعة والروح تغادر الجسد يعرف الإنسان مصيره إما إلي الجنة وإما إلي النار .. وتتسلمه إما ملائكة الرحمة وإما ملائكة العذاب .. فالذي أطاع الله يستبشر بملائكة الرحمة .. والذي عصى وفعل ما يغضب الله يستعرض شريط أعماله .. فيجده شريط سوء وهو مقبل على الله .. وليست هناك فرصة للتوبة أو لتغيير أعماله .. عندما يرى مصيره إلي النار تنقبض أساريره وتقبض روحه على هذه الهيئة .. فيقال فلان مات وهو أسود الوجه منقبض الأسارير.
إذن فالذي أساء في دنياه لا يتمنى الموت أبدا .. أما صاحب العمل الصالح فإنه يستبشر بلقاء الله.

<ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تمني الموت فقال: "لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعو به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله">

نقول إن تمني الموت المنهي عنه هو تمني اليأس وتمني الاحتجاج على المصائب .. يعني يتمنى الموت لأنه لا يستطيع أن يتحمل قدر الله في مصيبة حدثت له .. أو يتمناه احتجاجا على أقدار الله في حياته .. هذا هو تمني الموت المنهي عنه .. أما صاحب العمل الصالح فمستحب له أن يتمنى لقاء الله .. واقرأ قوله تعالى في آخر سورة يوسف:

{رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين "101" }
(سورة يوسف)



<وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي لا تتمنوا الموت جزعا مما يصيبكم من قدر الله .. ولكن اصبروا على قدر الله">

.. وقوله تعالى: "والله عليم بالظالمين" .. لأن الله عليم بظلمهم ومعصيتهم .. هذا الظلم والمعصية هو الذي يجعلهم يخافون الموت ولا يتمنونه.
 

شمس الحقيقة

مزمار داوُدي
9 أكتوبر 2009
3,100
44
0
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
ولتعلمَنَّ -أيها الرسول- أن اليهود أشد الناس رغبة في طول الحياة أيًّا كانت هذه الحياة من الذلَّة والمهانة, بل تزيد رغبتهم في طول الحياة على رغبات المشركين. يتمنى اليهودي أن يعيش ألف سنة, ولا يُبْعده هذا العمر الطويل إن حصل من عذاب الله. والله تعالى لا يخفى عليه شيء من أعمالهم وسيجازيهم عليها بما يستحقون من العذاب.
تفسير الميسر..
 

طموحـة

مشرفة سابقة
31 أكتوبر 2010
4,028
154
63
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿97﴾
قل-أيها الرسول- لليهود حين قالوا: إن جبريل هو عدونا من الملائكة: من كان عدوًا لجبريل فإنه نزَّل القرآن على قلبك بإذن الله تعالى مصدِّقًا لما سبقه من كتب الله, وهاديًا إلى الحق, ومبشرًا للمصدِّقين به بكل خير في الدنيا والآخرة

39_asmilies-com.gif تفسير الميسر
:pfl:
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)

من عادى الله وملائكته، ورسله من الملائكة أو البشر، وبخاصة المَلَكان جبريلُ وميكالُ؛ لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم، وميكال وليُّهم ، فأعلمهم الله أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر، وعادى الله أيضًا، فإن الله عدو للجاحدين ما أنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون" 99")
انتقل الله سبحانه وتعالى بعد ذلك إلي تأكيد صدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأن الآيات فيها واضحة بحيث إن كل إنسان يعقل ويريد الإيمان يؤمن بها .. ولكن الذين يريدون الفسق والفجور .. هم هؤلاء الذين لا يؤمنون .. ما معنى الآيات البينات؟ إن الآية هي الأمر العجيب .. وهو عجيب لأنه معجز .. والآيات معجزات للرسول تدل على صدق بلاغه عن الله .. وهي كذلك الآيات في القرآن الكريم .. وبينات معناها أنها أمور واضحة لا يختلف عليها ولا تحتاج إلي بيان: "وما يكفر بها إلا الفاسقون" .. رطبا لا تستطيع أن تنزل قشرته ولكن عندما يصبح رطبة تجد أن القشرة تبتعد عن الثمرة فيقال فسقت الرطبة .. ولذلك من يخرج عن منهج الله يقال له فاسق.
والمعنى أن الآيات التي أيد بها الله سبحانه وتعالى محمداً عليه الصلاة والسلام ظاهرة أمام الكفار ليست محتاجة إلي دليل .. فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يقرأ كلمة في حياته .. يأتي بهذا القرآن المعجز لفظا ومعنى .. هذه معجزة ظاهرة لا تحتاج إلي دليل .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا تغريه الدنيا كلها .. ليترك هذا الدين مهما أعطوه .. دليل على أنه صاحب مبدأ ورسالة من السماء .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخبر بقرآن موحى من السماء عن نتيجة حرب ستقع بعد تسع سنوات .. ويخبر الكفار والمنافقين بما في قلوبهم ويفضحهم .. ويتنبأ بأحداث قادمة وبقوانين الكون .. وغير ذلك مما احتواه القرآن المعجز من كل أنواع الإعجاز علميا وفلكيا وكونيا .. كل هذه آيات بينات يتحدى القرآن بها الكفار .. كلها آيات واضحة لا يمكن أن يكفر بها إلا الذي يريد أن يخرج عن منهج الله، ويفعل ما تهواه نفسه .. إن الإعجاز في الكون وفي القرآن وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كل هذا لا يحتاج إلا لمجرد فكر محايد .. لنعرف أن هذا القرآن هو من عند الله ملئ بالمعجزات لغة وعلما .. وإنه سيظل معجزة لكل جيل له عطاء جديد.
 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100)

ما أقبح حال بني إسرائيل في نقضهم للعهود!! فكلما عاهدوا عهدًا طرح ذلك العهد فريق منهم, ونقضوه, فتراهم يُبْرِمون العهد اليوم وينقضونه غدًا, بل أكثرهم لا يصدِّقون بما جاء به نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون" 101")
بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن اليهود الذين نقضوا المواثيق الخاصة بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوها وهم يعلمون .. قال الله سبحانه: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" .. أي أن ما جاء في القرآن مصدق لما جاء في التوراة .. لأن القرآن من عند الله والتوراة من عند الله .. ولكن التوراة حرفوها وكتموا بعضها وغيروا وبدلوا فيها فأخفوا ما يريدون إخفاءه .. لذلك جاء القرآن الكريم ليظهر ما أخفوه ويؤكد ما لم يخفوه ولم يتلاعبوا فيه.
وقوله تعالى: "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" .. قلنا إن هناك كتابا نبذوه أولا وهو التوراة .. ولما جاءهم الكتاب الخاتم وهو القرآن الكريم نبذوه هو الآخر وراء ظهورهم .. ما معنى نبده؟ .. المعنى طرحه بعيدا عنه .. إذن ما في كتابهم من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم نبذوه بعيدا . ومن التبشير بمجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام نبذوه هو الآخر .. لأنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا ويقولون أتى زمن نبي سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم. وقوله تعالى: "نبذ فريق" .. يعني نبذ جماعة وبقيت جماعة أخرى لم تنبذ الكتاب .. بدليل أن ابن سلام وهو أحد أحبار اليهود صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به .. وكعب الأحبار مخيريق أسلم .. فلو أن القرآن عمم ولم يقل فريق لقيل إنه غير منصف لهؤلاء الذين آمنوا.
وقوله تعالى: "وراء ظهورهم" .. النبذ قد يكون أمامك .. وكونه أمامك فأنت تراه دائما، وربما يغريك بالإقبال عليه، ولكنهم نبذوه وراء ظهورهم أي جعلوه وراءهم حتى ينسوه تماما ولا يلتفتوا إليه. وقوله تعالى: "وكأنهم لا يعلمون" .. أي يتظاهرون بأنهم لا يعلمون ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصافه .. وقوله تعالى: "كأنهم" .. دليل على أنهم يعلمون ذلك علم يقين .. لأنهم لو كانوا لا يعلمون .. لقال الحق سبحانه: "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" وهم لا يعلمون .. إذن هم يعلمون يقينا ولكنهم تظاهروا بعدم العلم .. ولابد أن نتنبه إلي أن نبذ يمكن أن يأتي مقابلها فنقول نبذ كذا واتبع كذا .. وهم نبذوا كتاب الله ولكن ماذا اتبعوا؟
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" 102")
يخبرنا الحق تبارك وتعالى أن فريقا من اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين .. لأن النبذ يقابله الاتباع .. واتبعوا يعني اقتدوا وجعلوا طريقهم في الاهتداء هو ما تتوله الشياطين على ملك سليمان .. وكان السياق يقتضي أن يقال ما تلته الشياطين على ملك سليمان .. ولكن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن هذا الاتباع مستمر حتى الآن كأنهم لم يحددوا المسألة بزمن معين.
إنه حتى هذه اللحظة هناك من اليهود من يتبع ما تلته الشياطين على ملك سليمان، ونظرا لأن المعاصرين من اليهود قد رضوا وأخذوا من فعل أسلافهم الذين اتبعوا الشياطين فكأنهم فعلوا. الحق سبحانه يقول: "واتبعوا ما تتلو الشياطين" ولكن الشياطين تلت وانتهت .. واستحضار اليهود لما كانت تتلوه الشياطين حتى الآن دليل على أنهم يؤمنون به ويصدقونه .. الشياطين هم العصاة من الجن .. والجن فيهم العاصون والطائعون والمؤمنون .. واقرأ قوله تعالى:

{وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً "11" }
(سورة الجن)


وقوله سبحانه عن الجن:

{وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون }
(من الآية 14 سورة الجن)


إذن الجن فيهم المؤمن والكافر .. المؤمنون من الجن فيهم الطائع والعاصي .. والشياطين هم مردة الجن المتمردون على منهج الله .. وكل متمرد على منهج الله نسميه شيطانا .. سواء كان من الجن أو من الإنس .. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا }
(من الآية 112 سورة الأنعام)


إذن فالشياطين هم المتمردون على منهج الله .. قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان" .. يعني ما كانت تتلو الشياطين أيام ملك سليمان .. ولكن ما هي قصة ملك سليمان والشياطين؟ .. الشياطين كانوا قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله قد مكنهم من قدرة الاستماع إلي أوامر السماء وهي نازلة إلي الأرض .. وكانوا يستمعون للأوامر تلقى من الملائكة وينقلونها إلي أئمة الكفر ويزيدون عليها بعض الأكاذيب والخرافات .. فبعضها يكون على حق والأكثر على باطل .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى:

{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم }
(من الآية 121 سورة الأنعام)


وكان الشياطين قبل نزول القرآن يستقرون السمع، ولكن عند بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع ذلك كله، حتى لا يضع الشياطين خرافاتهم في منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في القرآن .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى:

{وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا "9" }
(سورة الجن)


أي أن الشياطين كانت لها مقاعد في السماء تقعد فيها لتستمع إلي ما ينزل من السماء إلي الأرض ليتم تنفيذه .. ولكن عند نزول القرآن أرسل الله سبحانه وتعالى الشهب ـ وهي النجوم المحترقة ـ فعندما تحاول الشياطين الاستماع إلي ما ينزل من السماء ينزل عليهم شهاب يحرقهم .. ولذلك فإن عامة الناس حين يرون شهابا يحترق في السماء بسرعة يقولون: سهم الله في عدو الدين .. الذي هو الشيطان.
واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا "8" }
( سورة الجن)


{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا "10"}
(سورة الجن)


أي أن الأمر اختلط على الشياطين لأنهم لم يعودوا يستطيعون استراق السمع .. ولذلك لم يعرفوا هل الذي ينزل من السماء خير أم شر؟ .. انظر إلي دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: "وأنا لمسنا السماء" .. كأنهم صعدوا حتى بلغوا السماء لدرجة أنها أصبحت قريبة لهم حتى كادوا يلمسونها .. فالله تبارك وتعالى في هذه الحالة ـ وهي اتباع اليهود لما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر والتعاويذ والأشياء التي تضر ولا تفيد ـ أراد أن يبرئ سليمان من هذا كله .. فقال جل جلاله: "وما كفر سليمان" .. وكان المنطق يقتضي أن يخص الله سبحانه وتعالى حكاية الشياطين قبل أن يبرئ سليمان من الكفر الذي أرادوا أن ينشروه .. ولكن الله أراد أن ينفي تهمة الكفر عن سليمان ويثبتها لكل من اتبع الشياطين فقال جل جلاله: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".
إذن الشياطين هم الذين نشروا الكفر .. وكيف كفر الشياطين وبماذا أغروا أتباعهم بالكفر؟ .. يقول الله سبحانه وتعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق".
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

^^
يتبع تفسير الآية "102"

ما قصة كل هذا؟ .. اليهود نبذوا عهد الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين أيام سليمان، وأرادوا أن ينسبوا كل شيء في عهد سليمان على أنه سحر وعمل شياطين، وهكذا أراد اليهود أن يوهموا الناس أن منهج سليمان هو من السحر ومن الشياطين. والحق سبحانه وتعالى أراد أن يبرئ سليمان من هذه الكذبة .. سليمان عليه السلام حين جاءته النبوة طلب من الله سبحانه وتعالى أن يعطيه ملكا لا يعطيه لأحد من بعده .. واقرأ قوله تعالى:

{قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "35" فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب "36" والشياطين كل بناء وغواص "37" وآخرين مقرنين في الأصفاد "38" }
(سورة ص)


وهكذا أعطى سليمان الملك على الإنس والجن ومخلوقات الله كالريح والطير وغير ذلك .. حين أخذ سليمان الملك كان الشياطين يملأون الأرض كفراً بالسحر وكتبه. فأخذ سليمان كل كتب السحر وقيل أنه دفنها تحت عرشه .. وحين مات سليمان وعثرت الشياطين على مخبأ كتب السحر أخرجتها وأذاعتها بين الناس .. وقال أولياؤهم من أحبار اليهود إن هذه الكتب من السحر هي التي كان سليمان يسيطر بها على الإنس والجن، وإنها كانت منهجه، وأشاعوها بين الناس .. فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبرئ سليمان من هذه التهمة ومن أنه حكم بالسحر ونشر الكفر .. قال جل جلاله: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر".
ما هو السحر؟ الكلمة مشتقة من سحر وهو آخر ساعات الليل وأول طلوع النهار .. حيث يختلط الظلام بالضوء ويصبح كل شيء غير واضح .. هكذا السحر شيء يخيل إليك أنه واقع وهو ليس بواقع .. إنه قائم على شيئين .. سحر العين لترى ما ليس واقعا على أنه حقيقة .. ولكنه لا يغير طبيعة الأشياء .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى في سحرة فرعون:

{سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيمٍ }
(من الآية 116 سورة الأعراف)


إذن فالساحر يسيطر على عين المسحور ليرى ما ليس واقعا وما ليس حقيقة .. وتصبح عين المسحور خاضعة لإرادة الساحر .. ولذلك فالسحر تخيل وليس حقيقة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

{قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى "66" }
(سورة طه)


إذن مادام الله سبحانه وتعالى قال: "يخيل إليه" .. فهي لا تسعى .. إذن فالسحر تخيل .. وما الدليل على أن السحر تخيل؟ .. الدليل هو المواجهة التي حدثت بين موسى وسحرة فرعون .. ذلك أن الساحر يسحر أعين الناس ولكن عينيه لا يسحرهما أحد .. حينما جاء السحرة وموسى .. اقرأ قوله سبحانه:

{قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى "65" قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى "66"}
(سورة طه)


عندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم خيل للموجودين إنها حيات تسعى .. ولكن هل خيل للسحرة إنها حيات؟ طبعا لا .. لأن أحدا لم يسحر أعين السحرة .. ولذلك ظل ما ألقوه في أعينهم حبالا وعصيا .. حين ألقى موسى عصاه واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى "69" فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى "70"}
(سورة طه)


هنا تظهر حقيقة السحر .. لماذا سجد السحرة؟ لأن حبالهم وعصيهم ظلت كما هي حبالا وعصيا .. ذلك أن أحدا لم يسحر أعينهم .. ولكن عندما ألقى موسى عصاه تحولت إلي حية حقيقية .. فعرفوا أن هذا ليس سحرا ولكنها معجزة من الله سبحانه وتعالى .. لماذا؟ لأن السحر لا يغير طبيعة الأشياء، وهم تأكدوا أن عصا موسى قد تحولت إلي حية .. ولكن حبالهم وعصيهم ظلت كما هي وإن كان قد خيل إلي الناس أنها تحولت إلي حية. إذن فالسحر تخيل والساحر يرى الشيء على حقيقته لذلك فإنه لا يخاف .. بينما المسحورون الذين هم الناس يتخيلون أن الشيء قد تغيرت طبيعته .. ولذلك سجد السحرة لأنهم عرفوا أن معجزة موسى ليست سحرا .. ولكنها شيء فوق طاقة البشر.
السحر إذن تخيل والشياطين لهم قدرة التشكل بأي صورة من الصور، ونحن لا نستطيع أن ندرك الشيطان على صورته الحقيقية، ولكنه إذا تشكل نستطيع أن نراه في صورة مادية .. فإذا تشكل في صورة إنسان رأيناه إنسانا، وإذا تشكل في صورة حيوان رأيناه حيوانا، وفي هذه الحالة تحكمه الصورة .. فإذا تشكل كإنسان وأطلقت عليه الرصاص مات، وإذا تشكل في صورة حيوان ودهمته بسيارتك مات، ذلك لأنه الصورة تحكمه بقانونها .. وهذا هو السر في إنه لا يبقى في تشكله إلا لمحة ثم يختفي في ثوان .. فماذا؟ لأنه يخشى ممن يراه في هذه الصورة أن يقتله خصوصا أن قانون التشكل يحكمه .. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تشكل له الشيطان في صورة إنسان قال: {ولقد هممت أن أربطه في سارية المسجد ليتفرج عليه صبيان المدينة ولكني تذكرت قول أخي سليمان: "رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي". فتركته)
ومن رحمة الله بنا أنه إذا تشكل الشيطان فإن الصورة تحكمه .. وإلا لكانوا فزعونا وجعلونا حياتنا جحيما .. فالله سبحانه وتعالى جعل الكون يقوم على التوازن حتى لا يطغى أحد على أحد .. بمعنى أننا لو كنا في قرية وكلنا لا نملك سلاحا وجد التوازن .. فإذا ملك أحدنا سلاحا وادعى أنه يفعل ذلك ليدافع عن أهل القرية، ثم بعد ذلك استغل السلاح ليسيطر على أهل القرية ويفرض عليهم إتاوات وغير ذلك، يكون التوازن قد اختل وهذا مالا يقبله الله.
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

^^
يتبع تفسير الآية "102"

السحر يؤدي لاختلال التوازن في الكون .. لأن الساحر يستعين بقوة أعلى في عنصرها من الإنسان وهو الشيطان وهو مخلوق من نار خفيف الحركة قادر على التشكل وغير ذلك .. الإنسان عندما يطلب ويتعلم كيف يسخر الجن .. يدعي أنه يفعل ذلك لينشر الخير في الكون، ولكنها ليست حقيقة .. لأن هذا يغريه على الطغيان .. والذي يخل بأمن العالم هو عدم التكافؤ بين الناس .. إنسان يستطيع أن يطغى فإذا لم يقف أمامه المجتمع كله اختل التوازن في المجتمع. والله سبحانه وتعالى يريد تكافؤ الفرص ليحفظ أمن وسلامة الكون .. ولذلك يقول لنا لا تطغو وتستعينوا بالشياطين في الطغيان حتى لا تفسدوا أمن الكون. ولكن الله جل جلاله شاءت حكمته أن يضع في الكون ما يجعل كل مخلوق لا يغتر بذاتيته .. ولا يحسب أنه هو الذي حقق لنفسه العلو في الأرض .. ولقد كانت معصية إبليس في أنه رفض أن يسجد لآدم. إنه قال:

{قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين }
(من الآية 12 سورة الأعراف)


إذن فقد أخذ عنصر الخلق ليدخل الكبر إلي نفسه فيعصي، ولذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يعلم البشر من القوانين، ما يجعل هذا الأعلى في العنصر ـ وهو الشيطان ـ يخضع للأدنى وهو الإنسان، حتى يعرف كل خلق الله أنه إن ميزهم الله في عنصر من العناصر، فإن هذا ليس بإرادتهم ولا ميزة لهم .. ولكنه بمشيئة الله سبحانه وتعالى .. فأرسل الملكين ببابل هاروت وماروت ليعلما الناس السحر الذي يخضع الأعلى عنصراً للأدنى. واقرأ قوله سبحانه: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" .. فالله تبارك وتعالى أرسل الملكين هاروت وماروت ليعلما الناس السحر .. ولقد رويت عن هذه الملكين قصص كثيرة .. ولكن مادام الله سبحانه وتعالى قد أرسل ملكين ليعلما الناس السحر .. فمعنى ذلك أن السحر علم يستعين فيه الإنسان بالشياطين .. وقيل إن الملائكة قالوا عن خلق آدم كما يروي لنا القرآن الكريم:

{قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك }
(من الآية 30 سورة البقرة)


حينئذ طلب الحق جل جلاله من الملائكة .. أن يختاروا ملكين ليهبطا إلي الأرض لينظروا ماذا يفعلان؟ فاختاروا هاروت وماروت .. وعندما نزلا إلي الأرض فتنتهما امرأة فارتكبا الكبائر. هذه القصة برغم وجودها في بعض كتب التفسير ليست صحيحة .. لأن الملائكة بحكم خلقهم لا يعصون الله .. ولأنه من تمام الإيمان أن يؤدي المخلوق كل ما كلف به من الله جل جلاله .. وهذان الملكان كلفا بأن يعلما الناس السحر .. وأن يحذر بأن السحر فتنة تؤدي إلي الكفر وقد فعلا ذلك والفتنة هي الامتحان .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" .. إذن فهذان الملكان حذرا الناس من أن ما يعلمانه من السحر فتنة تؤدي إلي الكفر .. وإنها لا تنفع إلا في الشر وفي التفريق بين الزوج وزوجه .. وإن ضررها لا يقع إلا بإذن الله .. فليس هناك أي قوى في هذا الكون خارجة عن مشيئة الله سبحانه وتعالى ..
ثم يأتي قول الحق تبارك وتعالى: "ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" .. أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن تعلم السحر يضر ولا ينفع .. فهو لا يجلب نفعا أبدا حتى لمن يشتغل به .. فتجد من يشتغل بالسحر يعتمد في رزقه على غيره من البشر فهم افضل منه .. وهو يظل طوال اليوم يبحث عن إنسان يغريه بأنه يستطيع أن يفعل له أشياء ليأخذ منه مالا، وتجد شكله غير طبيعي وحياته غير مستقرة وأولاده منحرفين. وكل من يعمل بالسحر يموت فقيرا لا يملك شيئا وتصيبه الأمراض المستعصية، ويصبح عبرة في آخر حياته.
إذن فالسحر لا يأتي إلا بالضرر ثم بالفقر ثم بلعنة الله في آخر حياة الساحر .. والذي يشتغل بالسحر يموت كافرا ولا يكون له في الآخرة إلا النار .. ولذلك قد اشتروا أنفسهم بأسوأ الأشياء لو كانوا يعلمون ذلك .. لأنهم لم يأخذوا شيئا إلا الضر .. ولم يفعلوا شيئا إلا التفريق بين الناس .. وهم لا يستطيعون أن يضروا أحدا إلا بإذن الله. والله سبحانه وتعالى إّا كانت حكمته قد اقتضت أن يكون السحر من فتن الدنيا وابتلاءاتها .. فإنه سبحانه قد حكم على كل من يعمل بالسحر بأنه كافر .. ولذلك لا يجب أن يتعلم الإنسان السحر أو يقرأ عنه .. لأنه وقت تعلمه قد يقول سأفعل الخير ثم يستخدمه في الشر .. كما أن الشياطين التي يستعين بها الساحر غالبا ما تنقلب عليه لتذيقه وبال أمره وتكون شرا عليه وعلى أولاده .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً "6"}
(سورة الجن)


أي أن الذي يستعين بالجن ينقلب عليه ويذيقه ألوانا من العذاب ..

 

الماسه البيضاء

مشرفة سابقة
2 أبريل 2010
4,594
52
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)

ولو أن اليهود آمنوا وخافوا الله لأيقنوا أن ثواب الله خير لهم من السِّحر ومما اكتسبوه به, لو كانوا يعلمون ما يحصل بالإيمان والتقوى من الثواب والجزاء علما حقيقيا لآمنوا.
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم " 104")
هذا نداء للمؤمنين .. لأن الآية الكريمة تبدأ: "يا أيها الذين آمنوا" .. نعرف أن الإيمان هنا هو سبب التكليف .. فالله لا يكلف كافرا أو غير مؤمن .. ولا يأمر بتكليف إلا لمن آمنوا .. فمادام العبد قد آمن فقد أصبحت مسئولية حركته في الحياة عند ربه .. ولذلك يوحي إليه بمنهج الحياة .. أما الكافر فلا يكلفه الله بشيء. إذن قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" .. أمر لمن آمن بالله ورضى به إلها ومشرعا .. قوله: "يا أيها الذين آمنوا" .. نداء للمؤمنين وقوله: "لا تقولوا راعنا" .. نهي .. وكأن راعنا كانت مقولة عندهم يريد الله أن ينهاهم عنها .. والإيمان يلزمهم أن يستمعوا إلي نهي الله.
ما معنى راعنا؟ نحن نقول في لغتنا الدارجة (راعينا) .. يعني احفظنا وراقبنا وخذ بيدنا وكلها مأخوذة من مادة الرعاية والراعي.

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته">

وأصل المادة مأخوذة من راعي الغنم .. لأن راعي الغنم لابد أن يتجه بها إلي الأماكن التي فيها العشب والماء .. أي إلي أماكن الرعي .. وأن يكون حارسا عليها حتى لا تشرد واحد أو تضل فتفتك بها ذئاب الصحاري .. وأن يوفر لها الراحة حتى لا تتعب وتنفق في الطريق ..

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كنت أرعى الغنم على قراريط لأهل مكة">

ولكن لماذا استبدل الحق سبحانه وتعالى كلمة راعنا بكلمة انظرنا؟ إن عند اليهود في العبرانية والسريانية كلمة راعنا ومعناها الرعونة .. ولذلك كانوا إذا سمعوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة راعنا .. اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. والمسلمون لا يدرون شيئا .. لذلك أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتركوا هذه الكلمة .. حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم، وأمرهم بأن يقولوا: انظرنا. ثم قال قال الحق سبحانه وتعالى: "واسمعوا" .. والله هنا يشير إلي الفرق بين اليهود والمؤمنين .. فاليهود قالوا سمعنا وعصينا، ولكن الله يقول للمؤمنين اسمعوا سماع طاعة وسماع تنفيذ.
سعد بن معاذ سمع واحدا من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ راعنا ـ وسعد كان من أحبار اليهود ويعرف لغتهم ـ فلما سمع ما قاله فهم مراده. فذهب إلي اليهودي وقال له لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك .. وقال اليهودي أو لستم تقولونها لنبيكم؟ أهي حرام علينا وحلال لكم؟ فنزلت الآية الكريمة تقول: "لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا" .. ولو تأملنا كلمة (راعنا) وكلمة (انظرنا) لوجدنا المعنى واحدا .. ولكن (انظرنا) تؤدي المعنى وليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم" .. أي من يقولون راعنا إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عذاب أليم.
 

شذى الروح

مزمار داوُدي
7 مايو 2008
3,503
46
0
الجنس
أنثى
رد: [ آيه فَقَطْ ],!

(ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم " 105")
ثم كشف الحق سبحانه وتعالى للمؤمنين العداوة التي يكنها لهم أهل الكتاب من اليهود والمشركين .. الذين كفروا لأنهم رفضوا الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام .. فيلفتهم إلي أن اليهود والمشتركين يكرهون الخير للمؤمنين .. فتشككوا في كل أمر يأتي منهم، واعلموا أنهم لا يريدون لكم خيرا .. قوله تعالى: "ما يود" .. أي ما يحب، والود معناه ميل القلب إلي من يحبه .. والود يختلف عن المعروف .. أنت تصنع معروفا فيمن تحب ومن لا تحب .. ولكنك لا تود إلا من تحب .. لذلك قال الله تبارك وتعالى:

{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}
(من الآية 22 سورة المجادلة)


ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليقول عن الوالدين:

{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}
(من الآية 15 سورة لقمان)


يقول بعض المستشرقين إن هناك تناقضا بين الآيتين .. كيف أن الله سبحانه وتعالى يقول: لا توادوا من يحارب الله ورسوله .. ثم يأتي ويقول إذا حاول أبواك أن يجعلاك تشرك بالله فصاحبهما في الدنيا معروفا .. وطبعا الوالدان اللذان يحاولان دفع ابنهما إلي الكفر إنما يحاربان الله ورسوله .. كيف يتم هذا التناقض؟. نقول إنكم لم تفهموا المعنى .. إن الإنسان يصنع المعروف فيمن يحب ومن لا يحب كما قلنا .. فقد تجد إنسانا في ضيق وتعطيه مبلغا من المال كمعروف .. دون أن يكون بينك وبينه أي صلة .. أما الود فلا يكون إلا مع من تحب.
إذن: "ما يود" معناها حب القلب .. أي أن قلوب اليهود والنصارى والمشركين لا تحب لكم الخير .. إنهم يكرهون أن ينزل عليكم خير من ربكم .. بل هم في الحقيقة لا يريدون أن ينزل عليكم من ربكم أي شيء مما يسمى خيرا .. والخير هو وحي الله ومنهجه ونبوة رسول صلى الله عليه وسلم. وقوله تعالى: "من خير" .. أي من أي شيء مما يسمى خير .. فأنت حين تذهب إلي إنسان وتطلب منه مالا يقول لك ما عندي من مال .. أي ليس عندي ولا قرش واحد، ما عندي أي مبلغ مما يقال له مال حتى ولو كان عدة قروش. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن أهل الكتاب والكفار والمشركين .. مشتركون في كراهيتهم للمؤمنين .. حتى إنهم لا يريدون أن ينزل عليكم أي شيء من ربكم مما يطلق عليه خير.
وقوله تعالى: "من ربكم" .. تدل على المصدر الذي يأتي منه الخير من الله .. فكأنهم لا يحبون أن ينزل على المؤمنين خير من الله .. وهو المنهج والرسالة. ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "والله يختص برحمته من يشاء" .. أي أن الخير لا يخضع لرغبة الكافرين وأمانيهم .. والله ينزل الخير لمن يشاء .. والله قد قسم بين الناس أمور حياتهم الدنيوية .. فكيف يطلب الكافرون أن يخضع الله منهجه لإرادتهم؟ واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "31" أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون "32"}
(سورة الزخرف)

اعترض الكفار على نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا لو نزل على رجل من القريتين عظيم .. فيرد عليهم سبحانه وتعالى .. أنتم لا تقسمون رحمة الله ولكن الله يقسم بينكم حياتكم في الدنيا. الحق تبارك وتعالى في الآية التي نحن بصددها يقول: "والله يختص برحمته من يشاء" .. ساعة تقرأ كلمة تختص تفهم أن شيئا خصص لشيء دون غيره .. يعني أنني خصصت فلانا بهذا الشيء: "والله يختص برحمته من يشاء، فليس لهؤلاء الكفار أن يتحكموا في مشيئة الله، وحسدهم وكراهيتهم للمؤمنين لا يعطيهم حق التحكم في رحمة الله .. ولذلك أراد الله أن يرد عليهم بأن هذا الدين سينتشر ويزداد المؤمنون به .. وسيفتح الله به أقطار ودولا .. وسيدخل الناس فيه أفواجا وسيظهره على الدين كله.
ولو تأملنا أسباب انتصار أي عدو على من يعاديه لوجدنا إنها إما أسباب ظاهرة واضحة وإما مكر وخداع .. بحيث يظهر العدو لعدوه أنه يحبه ويكيد له في الخفاء حتى يتمكن منه فيقتله .. ولقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة سرا .. لماذا؟ لأن الله أراد أن يقول لقريش لن تقدروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بالمكر والخداع والتبييت .. هم بيتوا الفتية ليقتلوه .. وجاءوا من كل قبيلة بفتى ليضيع دمه بين القبائل .. وخرج صلى الله عليه وسلم ووضع التراب على رءوس الفتية .. الله أرادهم أن يعرفوا أنهم لن يقدروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكر والتبييت والخداع ولا بالعداء الظاهر.
قوله تعالى: "والله ذو الفضل العظيم" .. الفضل هو الأمر الزائد عن حاجتك الضرورية ..

<ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له">

وفضل مال أي مال زائد على حاجته. هذا عن الفضل بالنسبة للبشر. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فإن كل ما في كون الله الآن وفي الآخرة هو فضل الله لأنه زائد على حاجته؛ لأنه ربما يكون عندي فضل، ولكني أبقيه لأنني سأحتاج إليه مستقبلا. والفضل الحقيقي هو الذي من عند الله. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو ذو الفضل العظيم؛ لأنه غير محتاج إلي كل خلقه أو كونه؛ لأن الله سبحانه كان قبل أن يوجد شيء، وسيكون بعد ألا يوجد شيء. وهذا ما يسمى بالفضل العظيم.
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع