إعلانات المنتدى


أثر القراءات على علم التفسير

الأعضاء الذين قرؤوا الموضوع ( 0 عضواً )

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثامنة والثلاثون بعد المائة

{ وَجَآءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون:

وقرأ العامَّةُ: " كَذِب " بالذال المعجمة، وهو من الوصف بالمصادر فيمكن أن يكونَ على سبيل المبالغة نحو: رجلٌ عَدْلٌ أو على حَذْفِ مضافٍ، أي: ذي كذب، نَسَبَ فِعْلَ فاعله إليه. وقرأ زيد بن علي " كَذِباً " فاحتمل أن يكون مفعولاً من أجله واحتمل أن يكونَ مصدراً في موضع الحال، وهو قليلٌ أعني مجيءَ الحالِ من النكرة.

وقرأ عائشة والحسن: " كَدِب " بالدال المهملة. وقال صاحبُ اللوامح: " معناه: ذي كَدِب، أي: أثر؛ لأنَّ الكَدِبَ هو بياضٌ يَخْرُجُ في أظافير الشباب ويؤثِّر فيها، فهو كالنقش، ويُسَمَّىٰ ذلك البياضُ " الفُوْف " فيكون هذا استعارةً لتأثيره في القميص كتأثير ذلك في الأظافير ". وقيل: هو الدمُ الكَدِر. وقيل: الطريُّ. وقيل: اليابس.

{ وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
قال ابن عطية فى المحرر الوجيز

وقوله تعالى: { وجاء المعذرون من الأعراب } الآية، اختلف المتألون في هؤلاء الذى جاءوا هل كانوا مؤمنين أو كافرين، فقال ابن عباس وقوم معه منهم مجاهد: كانوا مؤمنين وكانت أعذارهم صادقة، وقرأ " وجاء المعْذرون " بسكون العين، وهي قراءة الضحاك وحميد الأعرج وأبي صالح وعيسى بن هلال. وقرأ بعض قائلي هذه المقالة " المعذّرون " بشد الذال، قالوا وأصله المتعذرون فقلبت التاء ذالاً وأدغمت.

ويحتمل المعتذرون في هذا القول معنيين أحدهما المتعذرون بأعذار حق والآخر أن يكون الذين قد بلغوا عذرهم من الاجتهاد في طلب الغزو معك فلم يقدروا فيكون مثل قول لبيد:

ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وقال قتادة وفرقة معه: بل الذين جاءوا كفرة وقولهم وعذرهم كذب، وكل هذه الفرقة قرأ " المعذّرون " بشد الذال، فمنهم من قال أصله المتعذرون نقلت حركة التاء إلى العين وأدغمت التاء في الذال، والمعنى معتذرون بكذب، ومنهم من قال هو من التعذير أي الذين يعذرون الغزو ويدفعون في وجه الشرع، فالآية إلى آخرها في هذا القول إنما وصفت صنفاً واحداً في الكفر ينقسم إلى أعرابي وحضري، وعلى القول الأول وصفت صنفين: مؤمناً وكافراً، قال أبو حاتم: وقال بعضهم سألت مسلمة فقال " المعّذّرون " بشد العين والذال، قال أبو حاتم: أراد المعتذرين والتاء لا تدغم في العين لبعد المخارج وهي غلط عنه أو عليه، قال أبو عمرو: وقرأ سعيد بن جبير " المعتذرون " بزيادة تاء، وقرأ الحسن بخلاف عنه وأبو عمرو ونافع والناس " كذَبوا " بتخفيف الذال، وقرأ الحسن وهو المشهور عنه وأبي بن كعب ونوح وإسماعيل " كذّبوا " بتشديد الذال، والمعنى لم يصدقوه تعالى ولا رسوله وردوا عليه أمره، ثم توعد في آخر الآية الكافرين بـ { عذاب أليم } ، فيحتمل أن يريد في الدنيا بالقتل والأسر.​
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة التاسعة والثلاثون بعد المائة

{ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ }

قال القرطبي فى تفسيره:

{ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } قرأ حمزة والكسائي «أَفَتَمْرُونَهُ» بفتح التاء من غير ألف على معنى أفتجحدونه. وٱختاره أبو عبيد؛ لأنه قال: لم يماروه وإنما جحدوه. يقال: مراه حقه أي جحده ومريته أنا؛ قال الشاعر:
لِئن هجرت أخا صِدقٍ ومَكْرُمَةٍلقد مَرَيْتَ أخاً ما كان يَمْرِيكَا
أي جحدته. وقال المبرّد: يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه.

قال: ومثل على بمعنى عن قول بني كعب بن ربيعة: رضي الله عليك؛ أي رضي عنك. وقرأ الأعرج ومجاهد «أَفَتُمْرُونَهُ» بضم التاء من غير ألف من أمريت؛ أي تريبونه وتشككونه. الباقون { أَفَتُمَارُونَهُ } بألف، أي أتجادلونه وتدافعونه في أنه رأى الله؛ والمعنيان متداخلان؛ لأن مجادلتهم جحود. وقيل: إن الجحود كان دائماً منهم وهذا جدال جديد؛ قالوا: صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عِيرنا التي في طريق الشام. على ما تقدّم.

{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون


قوله: " ورِئْياً " الجمهورُ على " رِئْياً " الجمهورُ على " رِئْيا " بهمزةٍ ساكنةٍ بعدَها ياءٌ صريحةٌ وَصْلاً ووفقاً، وحمزةُ إذا وَقَفَ يُبْدِلُ هذه الهمزةَ ياءً على أصلِه في تخفيفِ الهمز، ثم له بعد ذلك وجهان: الإِظهارُ اعتباراً بالأصل، والإِدغامُ اعتباراً باللفظ، وفي الإِظهار صعوبةٌ لا تَخْفَى، وفي الإِدغامِ إبهامُ أنها مادةٌ أخرى: وهو الرَّيُّ الذي بمعنى الامتلاء والنَّضارة، ولذلك تَرَكَ أبو عمروٍ أصلَه في تخفيفِ همزِه.

وقرأ قالون عن نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر " ورِيَّا " بياءٍ مشددةٍ بعد الراءِ، فقيل: هي مهموزةُ الأصلِ، ثم أُبْدِلَتِ الهمزةُ ياءً وأُدْغِمَتْ. والرَّأْيُ بالهمز، قيل: مِنْ رُؤْية العَيْن، وفِعْل فيه بمعنى مَفْعول، أي: مَرْئِيٌّ. وقيل من الرُّواء وحُسْنِ المنظر. وقيل: بل هو مِنَ الرَّيّ ضد العطش وليس مهموزَ الأصلِ، والمعنى: أحسنُ منظراً لأنَّ الرِّيَّ والامتلاءَ أحسنُ مِنْ ضِدَّيْهما.

وقرأ حميد وأبو بكر بن عاصم في روايةِ الأعشى " وَرِيْئاً " بياءٍ ساكنةٍ بعدَها همزةٌ وهو مقلوبٌ مِنْ " رِئْياً " في قراءةِ العامَّةِ، ووزنه فِلْعٌ، وهو مِنْ راءه يَرْآه كقولِ الشاعر:
3252- وكلُّ خليلٍ راءَني فهو قائلٌ مِنَ أجلِكَ: هذا هامةُ اليومِ أوغدِ
وفي القلب من القلبِ ما فيه.

ورَوَى اليزيديُّ قراءةَ " ورِياء " بياءٍ بعدها ألف، بعدها همزة، وهي من المُراءاة، أي: يُرِيْ بعضُهم حُسْنَ بعضٍ، ثم خَفَّف الهمزةَ الأولى بقلبِها ياءً، وهو تخفيفٌ قياسيٌّ.

وقرأ ابنُ عباس أيضاً في رواية طلحة " وَرِيَاً " بياء فقط مخففةٍ. ولها وجهان، أحدهما: أَنْ يكونَ أصلُها كقراءةِ قالون، ثم خَفَّفَ الكلمةَ بحذفِ إحدى الياءَيْن، وهي الثانيةُ لأنَّ بها حَصَلَ الثِّقَلُ، ولأنَّها لامُ الكلمةِ، والأواخرُ أَحْرَى بالتغيير. والثاني: أن يكونَ أصلُها كقراءةِ حميد " وَرِيْئا " بالقلب، ثم نَقَلَ حركةَ الهمزةِ إلى الياءِ قبلها، وحَذَفَ الهمزةَ على قاعدةِ تخفيفِ الهمزةِ بالنقل، فصار " وَرِيا " كما ترى. وتجاسَرَ بعضُ الناسِ فجعل هذه القراءة لَحْناً، وليس اللاحنُ غيرَه، لخَفَاءِ توجيهِها عليه.

وقرأ ابن عباس أيضاً وابنُ جُبَيْر وجماعةٌ " وزِيَّا " بزايٍ وياءٍ مشددة، والزَّيُّ: البِزَّة الحسنة والآلاتُ المجتمعة، لأنه مِنْ زَوَى كذا يَزْوِيه، أي: يَجْمعه، والمُتَزَيِّنُ يَجْمع الأشياء التي تُزَيِّنه وتُظْهِرُ زِيَّه.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الاربعون بعد المائة

{ قَالُوۤاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ }

قال السمين الحلبي فى تفسيره

قوله تعالى: { فَقَدْ سَرَقَ }: الجمهور على " سَرَق " مخففاً مبيناً للفاعل. وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي وابن أبي شريح عن الكسائي والوليد بن حسان عن يعقوب في آخرين " سُرِّق " مشدداً مبنياً للمفعول أي: نُسِب إلى السَّرِقة.
{ ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَآ إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ}
قال القرطبي فى تفسيره
قوله تعالى: { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ } قاله الذي قال: «فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ». { فَقُولُواْ يٰأَبَانَا إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } وقرأ ابن عباس والضّحاك وأبو رزِين «إنَّ ٱبْنَكَ سُرِّقَ». النحاس: وحدثني محمد بن أحمد بن عمر قال حدّثنا ابن شَاذَان قال حدّثنا أحمد بن أبي سُرَيج البغداديّ قال: سمعت الكسائيّ يقرأ: «يَا أَبَانَا إنَّ ٱبْنَكَ سُرِّقَ» بضم السين وتشديد الرّاء مكسورة؛ على ما لم يُسمّ فاعله؛ أي نُسب إلى السرقة ورُمي بها؛ مثل خوّنته وفسّقته وفجرّته إذا نسبته إلى هذه الخلال. وقال الزجاج: «سُرِّقَ» يحتمل معنيين: أحدهما ـ علم منه السَّرَق، والآخر ـ ٱتهم بالسَّرَق. قال الجوهري: والسَّرِق والسَّرِقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق، والمصدر سَرَق يَسْرِق سَرَقاً بالفتح.​

وقال الرازى فى تفسيره
فإن قيل: كيف حكموا عليه بأنه سرق من غير بينة، لا سيما وهو قد أجاب بالجواب الشافي، فقال الذي جعل الصواع في رحلي هو الذي جعل البضاعة في رحلكم.

والجواب عنه من وجوه:

الوجه الأول: أنهم شاهدوا أن الصواع كان موضوعاً في موضع ما كان يدخله أحد إلا هم، فلما شاهدوا أنهم أخرجوا الصواع من رحله غلب على ظنونهم أنه هو الذي أخذ الصواع، وأما قوله: وضع الصواع في رحلي من وضع البضاعة في رحالكم فالفرق ظاهر، لأن هناك لما رجعوا بالبضاعة إليهم اعترفوا بأنهم هم الذين وضعوها في رحالهم، وأما هذا الصواع فإن أحداً لم يعترف بأنه هو الذي وضع الصواع في رحله فظهر الفرق فلهذا السبب غلب على ظنونهم أنه سرق، فشهدوا بناء على هذا الظن، ثم بينهم غير قاطعين بهذا الأمر بقولهم: { وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَـٰفِظِينَ }.

والوجه الثاني: في الجواب أن تقدير الكلام { إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } في قول الملك وأصحابه ومثله كثير في القرآن. قال تعالى:
{ إِنَّكَ لاَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ }
[هود: 87] أي عند نفسك، وقال تعالى:
{ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ }
[الدخان: 49] أي عند نفسك وأما عندنا فلا فكذا ههنا.

الوجه الثالث: في الجواب أن ابنك ظهر عليه ما يشبه السرقة ومثل هذا الشيء يسمى سرقة فإن إطلاق اسم أحد الشبيهين على الشبيه الآخر جائز في القرآن قال تعالى:
{ وَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا }
[الشورى: 40].

الوجه الرابع: أن القوم ما كانوا أنبياء في ذلك الوقت فلا يبعد أن يقال: إنهم ذكروا هذا الكلام على سبيل المجازفة لا سيما وقد شاهدوا شيئاً يوهم ذلك.

الوجه الخامس: أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يقرأ { إِنَّ ٱبْنَكَ سَرَقَ } بالتشديد، أي نسب إلى السرقة فهذه القراءة لا حاجة بها إلى التأويل لأن القوم نسبوه إلى السرقة، إلا أنا ذكرنا في هذا الكتاب أن أمثال هذه القراآت لا تدفع السؤال، لأن الإشكال إنما يدفع إذا قلنا القراءة الأولى باطلة، والقراءة الحقة هي هذه. أما إذا سلمنا أن القراءة الأولى حقة كان الإشكال باقياً سواء صحت هذه القراءة الثانية أو لم تصح، فثبت أنه لا بد من الرجوع إلى أحد الوجوه المذكورة
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الواحدة والاربعون بعد المائة

{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَآءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً }

قال ابن الجوزى فى زاد المسير:

قوله تعالى: { فَاسْأَلْ بني إِسرائيل } قرأ الجمهور: «فاسأل» على معنى الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وإِنما أُمر أن يسأل من آمن منهم عما أخبر [به] عنهم، ليكون حُجَّة على من لم يؤمن منهم. وقرأ ابن عباس: «فَسَأَلَ بني إِسرائيل»، [على معنى] الخبر عن موسى أنه سأل فرعون أن يرسل معه بني إِسرائيل.

وقال الالوسي فى تفسيره:

{ فَسْئَلْ بَنِى إِسْرٰءيلَ } وقرأ جمع { فسل }. والظاهر أنه خطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم والسؤال بمعناه المشهور إلا أن الجمهور على أنه خطاب لموسى عليه السلام. والسؤال إما بمعنى الطلب أو بمعناه المشهور لقراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجها أحمد في «الزهد» وابن المنذر وابن جرير وغيرهم عن ابن عباس { فسال } على صيغة الماضي بغير همز كقال وهي لغة قريش فإنهم يبدلون الهمزة المتحركة وذلك لأن هذه القراءة دلت على أن السائل موسى عليه السلام وإنه مستعقب عن الإيتاء فلا يجوز أن يكون فاسأل خطاباً للنبـي صلى الله عليه وسلم لئلا تتخالف القراءتان ولا بد إذ ذاك من إضمار لئلا يختلفا خبراً وطلباً أي فقلنا له اطلبهم من فرعون وقل له أرسل معي بني إسرائيل أو اطلب منهم أن يعاضدوك وتكون قلوبهم وأيديهم معك أو سلهم عن إيمانهم وعن حال دينهم واستفهم منهم هل هم ثابتون عليه أو اتبعوا فرعون ويتعلق بالقول المضمر قوله تعالى: { إِذْ جَاءهُم } وهو متعلق بسال على قراءته صلى الله عليه وسلم والدليل على ذلك المضمر في اللفظ قوله تعالى: { فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ } لأنه لو كان { فاسأل } خطاباً لنبينا عليه الصلاة والسلام لانفك النظم وأيضاً لا يظهر استعقابه ولا تسببه عن إيتاء موسى عليه السلام نعم جعل الذاهبون إلى الأول { فاسأل } اعتراضاً من باب زيد فاعلم فقيه والفاء تكون للاعتراض كالواو وعلى ذلك قوله:
واعلم فعلم المرء ينفعهأن سوف يأتي كل ما قدرا
وهذا الوجه مستغن عن الإضمار و { إِذْ جَاءهُم } متعلق عليه بآتينا ظرفاً ولا يصح تعلقه بسل إذ ليس سؤاله صلى الله عليه وسلم في وقت مجيء موسى عليه السلام.

قال في «الكشف»: والمعنى فاسأل يا محمد مؤمني أهل الكتاب عن ذلك إما لأن تظاهر الأدلة أقوى، وإما من باب التهييج والإلهاب، وإما للدلالة على أنه أمر محقق عندهم ثابت في كتابهم وليس المقصود حقيقة السؤال بل كونهم أعني المسؤولين من أهل علمه ولهذا يؤمر مثلك بسؤالهم وهذا هو الوجه الذي يجمل به موقع الاعتراض. وجوز أن يكون منصوباً باذكر مضمراً على أنه مفعول به وجاز على هذا أن لا يجعل { فَاسْأَلْ } اعتراضاً ويجعل اذكر بدلاً عن اسأل لما سمعت من أن السؤال ليس على حقيقته وكذا جوز أن يكون منصوباً كذلك بيخبروك مضمراً وقع جواب الأمر أي سلهم يخبروك إذ جاءهم. ولا يجوز على هذا الاعتراض، نعم يجوز الاعتراض على هذا بأن أخبر يتعدى بالباء أو عن لا بنفسه فيجب أن يقدر بدل الإخبار الذكر ونحوه مما يتعدى بنفسه وإما جعله ظرفاً له غير صحيح إذ الإخبار غير واقع في وقت المجيء، واعترض أيضاً بأن السؤال عن الآيات والجواب بالإخبار عن وقت المجيء أو ذكره لا يلائمه. ويمكن الجواب بأن المراد يخبروك بذلك الواقع وقت مجيئه لهم أو يذكروا ذلك لك وهو كما ترى. وبعضهم جوز تعلقه بيخبروك على أن إذ للتعليل، وعلى هذا يجوز تعلقه باذكر، والمعنى على سائر احتمالات كون الخطاب لنبينا عليه الصلاة والسلام إذ جاء آباءهم إذ بنو إسرائيل حينئذٍ هم الموجودون في زمانه صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام ما جاءهم فالكلام إما على حذف مضاف أو على ارتكاب نوع من الاستخدام، والاحتمالات على تقدير جعل الخطاب لمن يسمع هي الاحتمالات التي سمعت على تقدير جعله لسيد السامعين عليه الصلاة والسلام

{ قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ }: في هذه الآية وجهان: أحدهما: أن يكونَ " كلَّ شيءٍ " مفعولاً أولَ، و " خَلْقَه " مفعولاً ثانياً على معنى: أعطى كلَّ شيءٍ شكلَه وصورَته، الذي يطابقُ المنفعةَ المنوطةَ به، كما أعطىٰ العينَ الهيئةَ التي تطابق الإِبصارَ، والأذنَ الشكلَ الذي يطابقُ الاستماعَ ويوافقه، وكذلك اليدُ والرِّجلُ واللسانُ، أو أعطى كلَّ حيوانٍ نظيرَه في الخَلْق والصورةِ حيث جعل الحصانَ والحِجْر زوجين، والناقةَ والبعيرَ، والرجلَ والمرأةَ، ولم يزاوِجْ شيءٌ منها غيرَ جنسِه، ولا ما هو مخالفٌ لخَلْقِه. وقيل: المعنى: أعطى كلَّ شيءٍ مخلوقٍ خَلْقَه أي: هو الذي ابتدعه. وقيل: المعنىٰ: أعطى كلَّ شيءٍ ممَّا خَلَق خِلْقَتَه وصورتَه على ما يناسبه من الإِتقانِ. لم يجعل خَلْقَ الإِنسانِ في خَلْقِ البهائم، ولا بالعكس، بل خَلَق كلَّ شيءٍ فَقدَّره تقديراً.

والثاني: أن يكونَ " كلَّ شيءٍ " مفعولاً ثانياً، و " خَلْقَه " هو الأول، فَقَدَّم الثاني عليه، والمعنىٰ: أعطى خليقته كلَّ شيءٍ يحتاجون إليه ويَرْتفقون به.

وقرأ عبدُ الله والحسنُ والأعمشُ وأبو نهيكٍ وابنُ أبي إسحاق ونصير عن الكسائي وناسٌ من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم " خَلَقَه " بفتح اللام فِعْلاً ماضياً. وهذه الجملةُ في هذه القراءةِ تحتمل أَنْ تكونَ منصوبةً المحلِّ صفةً لـ " كل " أو في محلِّ جَرِّ صفةً لـ " شيء " ، وهذا معنى قولِ الزمخشري: " صفةٌ للمضاف ـ يعني " كل " ـ أو للمضافِ إليه " ـ يعني " شيءٍ " ـ. والمفعولُ الثاني على هذه القراءةِ محذوفٌ، فيُحتملُ أَنْ يكونَ حَذْفُه حَذْفَ اختصارٍ للدلالةِ عليه أي: أعطى كلَّ شيءٍ خَلَقَه ما يحتاج إليه ويُصْلحه أو كمالَه، ويحتمل أن يكونَ حذفُه حَذْفَ اقتصارٍ، والمعنىٰ: أن كلَّ شيءٍ خَلَقه الله لم يُخْلِه من إنعامِه وعطائِه.​
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثانية والاربعون بعد المائة

{ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون:

قوله: { يَقُصُّ ٱلْحَقَّ } قرأ نافع وابن كثير وعاصم: " يقص " بصاد مهملة مشددة مرفوعة، وهي قراءة ابن عباس، والباقون بضاد معجمة مخففة مكسورة، وهاتان في المتواتر. وقرأ عبد الله وأُبَيّ ويحيى بن وثاب والنخعي والأعمش وطلحة: " يقضي بالحق " من القضاء. وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد: " يقضي بالحق وهو خير القاضين " فأمَّا قراءة " يقضي " فمِن القضاء. ويؤيده قوله: " وهو خير الفاصلين " فإنَّ الفصل يناسب القضاء، ولم يُرْسَم إلا بضاد، كأن الباء حُذِفَتْ خَطَّاً كما حذفت لفظاً لالتقاء الساكنين، كما حذفت من نحو:
{ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ }
[القمر: 5]، وكما حُذِفَتْ الواو في
{ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ }
[العلق: 18]
{ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ }
[الشورى: 24] لما تقدم.

وأمَّا نصب " الحق " بعده ففيه أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف أي: يقضي القضاء الحق. والثاني: أنه ضمَّن " يقضي " معنى يُنْفِذ، فلذلك عدَّاه إلى المفعول به، الثالث: أن " قضى " بمعنى صنع فيتعدَّى بنفسه من غير تضمين، ويدل على ذلك قوله:
1936- وعليهما مَسْرُودتان قضاهُما داودُ....................
أي: صَنَعَهما. الرابع: أنه على إسقاط حرف الجر أي: يقضي بالحق، فلما حذف انتصب مجروره على حَدِّ قوله:
1937- تمرُّون الدِّيار فلم تَعْوجوا .................
ويؤيد ذلك: القراءةُ بهذا الأصل.

وأما قراءة " يَقُصُّ " فمِنْ " قَصَّ الحديث " أو مِنْ " قصَّ الأثر " أي: تَتَبَّعه. وقال تعالى:
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ }
[يوسف: 3]. ورجحَّ أبو عمرو بن العلاء القراءة الأولى بقوله: " الفاصلين " ، وحُكي عنه أنَّه قال: " أهو يَقُصُّ الحقَّ أو يقضي الحقَّ أو يقضي الحق " فقالوا: " يقصُّ " فقال: " لو كان " يقص " لقال: " وهو خير القاصِّين " اقرأ أحدٌ بهذا؟ وحيث قال: { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَاصِلِينَ } فالفصل إنما يكون في القضاء " وكأن أبا عمرو لم يَبْلُغْه " وهو خير القاصِّين " قراءةً. وقد أجاب أبو علي الفارسي عما ذكره ابن العلاء فقال: " القصصُ هنا بمعنى القول، وقد جاء الفصل في القول أيضاً قال تعالى:
{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ }
[طارق: 13] وقال تعالى:
{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ }
[هود: 1]. وقال تعالى:
{ وَنُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ }
[التوبة: 11] فقد حمل الفَصْل على القول، واستُعمل معه كما جاء مع القضاء فلا يلزم " من الفاصلين " أن يكون مُعَيِّناً ليقضي.
 

محب الشيخ المحيسني

الفائز بالمركز الأول بمسابقة مزامير الرمضانية 1437
14 فبراير 2009
11,184
1,793
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
محمد المحيسني
علم البلد

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثالثة والاربعون بعد المائة

{ أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله: { لِمَسَاكِينَ }: العامَّةُ على تخفيفِ السِّين، جمعَ " مِسْكين ". وقرأ عليَّ أميرُ المؤمنين - كرَّم الله وجهَه - بتشديدِها جمع " مَسَّاك ". وفيه قولان، أحدُهما: أنه الذي يُمْسِك سكان السفينة. وفيه بعضُ مناسبة. والثاني: أنه الذي يَدْبَغُ المُسُوك جمعَ " مَسْك " بفتح الميم وهي الجُلود. وهذا بعيدٌ، لقولِه { يَعْمَلُونَ فِي ٱلْبَحْرِ }. ولا أظنُّها إلا تحريفاً على أمير المؤمنين. و " يَعْملون " صفةٌ لمساكين.

{ وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ }: العامَّةُ على فتح الياء مضارعَ " عَلِم " المتعديةِ لواحد. كذا قالوا. وفيه إشكالٌ تقدَّمَ غيرَ مرةٍ: وهو أنها إذا تَعَدَّتْ لمفعولٍ كانَتْ بمعنى عَرَفَ. وهذا المعنى لا يجوز إسنادُه إلى الباري تعالى؛ لأنه يَسْتَدعي سَبْقَ جهلٍ؛ ولأنه يتعلَّقُ بالذاتِ فقط دون ما هي عليه من الأحوالِ.

وقرأ عليٌّ وجعفرُ بن محمد بضمِّ الياءِ، مضارعَ أَعْلم. ويحتمل أَنْ يكونَ مِنْ عَلِم بمعنى عَرَفَ، فلمَّا جِيْءَ بهمزةِ النقلِ أَكْسَبَتْها مفعولاً آخرَ فَحُذِفَ. ثُم هذا المفعولُ يُحتمل أَنْ يكونَ هو الأولَ أي: لَيُعْلِمَنَّ اللَّهُ الناسَ الصادقين، وليُعْلِمنَّهم الكاذبين، أي: بشهرةٍ يُعْرَفُ بها هؤلاءِ مِنْ هؤلاء. وأن يكونَ الثاني أي: ليُعْلِمَنَّ هؤلاء منازِلَهم، وهؤلاءِ منازلَهم في الآخرةِ. ويُحتمل أَنْ يكونَ من العلامةِ وهي السِّيمِياء، فلا يتعدَّى إلاَّ لواحدٍ. أي: لنجعلَنَّ لهم علامةً يُعرفون بها. وقرأ الزهريُّ الأولى كالمشهورةِ، والثانيةَ كالشاذة.

{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { لاَ أَيْمَانَ } قرأ ابن عامر: " لا إيمان " بكسر الهمزة، وهو مصدرُ آمَن يُؤْمن إيماناً. وهل هو من الأمان؟ وفي معناه حينئذٍ وجهان أحدهما: أنهم لا يُؤْمنون في أنفسهم أي: لايُعْطون أماناً بعد نُكثِهم وطَعْنهم، ولا سبيلَ إلى ذلك. والثاني: الإِخبار بأنهم لا يُوفون لأحدٍ بعهدٍ يَعْقِدونه له. أو من التصديق أي: إنهم لا إسلامَ لهم. واختار مكي التأويلَ الأول لِما فيه من تجديد فائدة لم يتقدَّمْ لها ذِكْرٌ؛ لأنَّ وَصْفَهم بالكفر وعدمِ الإِيمان قد سَبَقَ وعُرِف.

وقرأ الباقون بالفتح، وهو جمعُ يمين. وهذا مناسب للنكث، وقد أُجْمع على فَتْح الثانية. ومعنى نفي الأيمان عن الكفارِ، أنهم لا يُوفون بها، وإن صَدَرَتْ منهم وَثَبَتَتْ. وهذا كقول الآخر:
2473 ـ وإنْ حَلَفَتْ لا تَنْقُضُ الدهرَ عهدَهافليس لمخضوبِ البَنانِ يمينُ
وبذلك قال الشافعي. وحمله أبو حنيفة على حقيقته: أن يمين الكافر لا تكون يميناً شرعياً، وعند الشافعي يمينٌ شرعية.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الرابعة والاربعون بعد المائة

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ }

قال ابو حيان فى بحره

{ ولا تقربوهن حتى يطهرن } قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية أبي بكر، والمفضل عنه: يطهرن بتشديد الطاء والهاء والفتح، وأصله: يتطهرن، وكذا هي في مصحف أبي، وعبد الله. وقرأ الباقون من السبعة: يطهرن، مضارع. طهر.

وفي مصحف أنس: ولا تقربوا النساء في محيضهن واعتزلوهنّ حتى يتطهرن. وينبغي أن يحمل هذا على التفسير لا على أنه قرآن لكثرة مخالفته السواد، ورجح الفارسي: يطهرن، بالتخفيف إذ هو ثلاثي مضاد لطمثت، وهو ثلاثي. ورجح الطبري التشديد، وقال: هي بمعنى تغتسلن لإجماع الجميع على أنه حرام على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر، قال: وإنما الخلاف في الطهر ما هو. انتهى كلامه.

قيل: وقراءة التشديد معناها حتى يغتسلن، وقراءة التخفيف معناها ينقطع دمهن قاله الزمخشري وغيره.

{ قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر " لَنُحْرِقَنَّه " بضم النون وسكونِ الحاءِ وكسرِ الراء، مِنْ أحرق رباعياً. وقرأ ابن عباس وحميد وعيسى وأبو جعفر " لَنَحْرُقَنَّه " كذلك إلاَّ أنه ضمَّ الراء. فيجوز أن يكونَ أَحْرق وحرَّق بمعنى كأَنْزَل ونَزَّل. وأمَّا القراءةُ الأخيرة فبمعنى لنَبْرُدَنَّه بالمبرد.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الخامسة والاربعون بعد المائة

{ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً }
قال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله تعالى: { وَنُخْرِجُ }: العامَّةُ على " نُخْرِجُ " بنونِ العظمة مضارع " اَخْرَجَ " ، و " كتاباً " فيه وجهان، أحدهما: أنه مفعولٌ به والثاني: أنه منصوبٌ على الحالِ من المفعول المحذوف، إذ التقديرُ: ونُخْرِجُه إليه كتاباً، ونُخْرِجُ الطائرَ.

ورُوِي عن أبي جعفر: " ويُخْرَجُ " مبنيَّاً للمفعول، " كتاباً " نصبٌ على الحال، والقائمُ مَقامَ الفاعلِ ضميرُ الطائرِ، وعنه أنَّه رَفَع " كتاباً ". وخُرِّج على أنَّه مرفوعٌ بالفعلِ المبنيِّ للمفعول، والأولى قراءة قلقةٌ.

وقرأ الحسن: " ويَخْرُجُ " بفتحِ الياءِ وضمِّ الراءِ مضارعَ " خَرَجَ " ، " كتابٌ " فاعلٌ به، وابن محيصن ومجاهد كذلك، إلا أنهما نَصَبا " كتاباً " على الحال، والفاعلُ ضميرُ الطائرِ، أي: ويَخْرُجُ له طائرُه في هذه الحالِ. وقرئ " ويُخْرِجُ " بضمِّ الياء وكسرِ الراء مضارعَ " اَخْرَجَ " ، والفاعلُ ضميرُ الباري تعالى، " كتاباً " مفعولٌ.

{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ }

قال الطبري فى تفسيره

وقد ذُكر عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه كان يقرأ «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الحَقّ بالمَوْتِ». ذكر الرواية بذلك:

حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، قال: لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي، قالت عائشة رضي الله عنها هذا، كما قال الشاعر:
إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وَضَاقَ بِها الصَّدْرُ
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تقولي ذلك، ولكنه كما قال الله عزّ وجلّ: { وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }. وقد ذُكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان:

أحدهما: وجاءت سكرة الله بالموت، فيكون الحقّ هو الله تعالى ذكره.

والثاني: أن تكون السكرة هي الموت أُضيفت إلى نفسها، كما قيل: { إنَّ هذَا لهُوَ حَقُّ اليَقِينِ }. ويكون تأويل الكلام: وجاءت السكرةُ الحقُّ بالموت.​
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة السادسة والاربعون بعد المائة

{
هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله تعالى: { يُسَيِّرُكُمْ }: قراءةُ ابنِ عامر مِن النَّشْر ضد الطيّ، والمعنىٰ: يُفَرِّقكم ويَبُثُّكم. وقرأ الحسن: " يُنْشِركم " مِنْ أَنْشَر، أي: أَحْيا وهي قراءةُ ابنِ مسعود أيضاً. وقرأ بعض الشاميين " يُنْشِّركم " بالتشديد للتكثير مِن النَّشْر الذي هو مطاوع الانتشار. وقرأ الباقون " يُسَيِّركم " من التَّسْيير

{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { قِطَعاً } قرأ ابن كثير والكسائي " قِطْعاً " بسكون الطاء، والباقون بفتحها. فأما القراءة الأولى فاختلفت عبارات الناس فيها، فقال أهل اللغة: " القِطْع " ظلمة آخر الليل. وقال الأخفش في قوله: " بقِطْع من الليل " بسواد من الليل. وقال بعضهم: " طائف من الليل " ، وأنشد الأخفش:
2589 ـ افتحي الباب فانظري في النجومِ كم علينا من قِطْعِ ليلٍ بَهيم
وأمَّا قراءةُ الباقين فجمعُ " قِطْعة " نحو: دِمْنة وَدِمَن، وكِسْرة وكِسَر وعلى القراءتين يختلف إعراب " مظلماً " ، فإنه على قراءةِ الكسائي وابن كثير يجوز أن يكونَ نعتاً لـ " قِطْعاً " ، ووُصِف بذلك مبالغةً في وَصْف وجوهِهم بالسواد، ويجوز أن يكونَ حالاً فيه ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنه حالٌ من " قِطْعاً " ، وجاز ذلك لتخصُّصه بالوصف بالجارِّ بعده وهو " من الليل " ، والثاني: أنه حالٌ من " الليل " ، والثالث: أنه حالٌ من الضميرِ المستتر في الجارِّ لوقوعه صفة.

قال الزمخشري: " فإن قلت: إذا جعلت " مظلماً " حالاً من " الليل " فما العاملُ فيه؟ قلت: لا يخلو: إما أن يكونَ " أُغْشِيَتْ " من قِبل أنَّ " من الليل " صفةٌ لقوله: " قِطْعاً " ، وكان إفضاؤه إلى الموصوفِ كإفضائه إلى الصفة، وإما أن يكونَ معنى الفعل في " من الليل ".

قال الشيخ: " أمَّا الوجه الأول فهو بعيدٌ لأنَّ الأصلَ أن يكون العاملُ في الحال هو العاملَ في ذي الحال، والعاملُ في " من الليل " هو الاستقرار، و " أُغْشِيَتْ " عاملٌ في قوله: " قطعاً " الموصوف بقوله: " من الليل " فاختلفا، فلذلك كان الوجهُ الأخير أَوْلى، أي: قطعاً مستقرةً من الليل، أو كائنةً من الليل في حال إظلامه ". قلت: ولا يَعْني الزمخشري بقوله: " إنَّ العامل أُغْشِيَتْ " إلا أنَّ الموصوفَ وهو " قِطْعاً " معمول لأُِغْشِيَتْ والعامل في الموصوف هو عاملٌ في الصفة، والصفة هي " من الليل " فهي معمولةٌ لـ " أُغْشِيَتْ " ، وهي صاحبةُ الحال، والعاملُ في الحال هو العاملُ في ذي الحال، فجاء من ذلك أنَّ العاملَ في الحال هو العاملُ في صاحبها بهذه الطريقةِ. ويجوز أن يكونَ " قِطْعاً " جمع قطعة، أي: اسم جنس، فيجوز حينئذٍ وصفُه بالتذكير نحو: " نَخْلٌ مُنْقَعِر " والتأنيث نحو: " نخل خاوية ".

وأمَّا قراءة الباقين فقال مكي وغيره: " إنَّ " مظلماً " حال من " الليل " فقط. ولا يجوز أن يكون صفةً لـ " قِطَعاً " ، ولا حالاً منه، ولا من الضمير في " من الليل " ، لأنه كان يجب أن يقال فيه: مظلمة ". قلت: يَعْنُون أنَّ الموصوف حينئذ جمعٌ، وكذا صاحب الحال فتجب المطابقةُ. وأجاز بعضهم ما منعه هؤلاء وقالوا: جاز ذلك لأنَّه في معنى الكثير، وهذا فيه تعسُّفٌ.
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة السابعة والاربعون بعد المائة

{ وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ }

قال القرطبي فى تفسيره

{ جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } أي جعلنا ذلك ثواباً وجزاء لنوح على صبره على أذى قومه وهو المكفور به؛ فاللام في «لِمَنْ» لام المفعول له؛ وقيل: «كُفِرَ» أي جحد؛ فـ «ـمن» كناية عن نوح. وقيل: كناية عن الله والجزاء بمعنى العقاب؛ أي عقاباً لكفرهم بالله تعالى. وقرأ يزيد بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد «جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كَفَرَ» بفتح الكاف والفاء بمعنى: كان الغرق جزاءً وعقاباً لمن كفر بالله،

وقال السمين الحلبي فى الدر المصون
قوله: { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } العامَّةُ على " كُفِرَ " مبنياً للمفعول والمرادُ بـ مَنْ كُفِر نوحٌ عليه السلام، أو الباري تعالى. وقرأ مسلمة به محارب " كُفْر " بإسكان الفاء كقوله:
4161ـ لو عُصْرَ منه المِسْكُ والبانُ انعصَرْ
وقرأ يزيد بن رومان وعيسى وقتادة " كَفَر " مبنياً للفاعل. والمرادُ بـ " مَنْ " حينئذٍ قومُ نوحٍ. و " كُفِرَ " خبرُ كان. وفيه دليلُ على وقوع خبر كان ماضياً مِنْ غير " قد " وبعضُهم يقولُ: لا بُدَّ من " قَدْ " ظاهرةً أو مضمرةً. ويجوز أَنْ تكونَ " كان " مزيدةً.

 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثامنة والاربعون بعد المائة

{ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ }

قال السمين الحلبي فى الدر
المصون

والقَطِران: ما يُسْتَخْرج مِنْ شجرٍ، فيُطبخ وتُطْلَى به الإِبلُ الجُرُبُ لِيَذْهَبَ جَرْبُها بِحِدَّته، وهو أفضلُ الأشياءِ للاشتعال به. وفيه لغاتٌ: قَطِران بفتح/ القاف وكسر الطاء، وهي قراءةُ العامَّة. وقَطْران بزنة سَكْران وبها قرأ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وقال أبو النجم:وقِطْران بكسر القافِ وسكونِ الطاء بزنة سِرْحان، ولم يُقْرأ بها فيما عَلِمْت.

وقرأ جماعةٌ كثيرة منهم عليُّ بن أبي طالب وابن عباس وأبو هريرة والحسَن " بَقَطِرٍ " بفتح القافِ وكسرِ الطاءِ وتنوينِ الراء، " آنٍ " بوزن عانٍ، جعلوهما كلمتين, والقَطِر: النحاس، والآني: اسمُ فاعل مِنْ أَنَى يَأْني، أي: تناهى في الحرارةِ كقوله:
{ وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ }
[الرحمن: 44]، وعن عمرَ رضي الله عنه " ليس بالقَطْران، ولكنه النحاسُ الذي يَصير بلَوْنِه ".

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { يَفْقَهُونَ }: قرأ الأخَوان بضمِّ الياء وكسرِ القافِ مِنْ أَقْفَهَ غيرَه، فالمفعولُ محذوفٌ، أي: لا يُفْقهون غيرهم قولاً. والباقون بفتحها، أي: لا يَفْهمون كلامَ غيرِهم، وهو بمعنى الأول. وقيل: ليس بمتلازِمٍ؛ إذ قد يَفْقَهُ الإِنسانُ قولَ غيرِه ولا يَفْقَه غيرُه قولَه. وبالعكس.​
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة التاسعة والاربعون بعد المائة

{ فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَآ رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

والجمهورُ على ضَمِّ الراء مِنْ " رُوْحِنا " وهو ما يَحْيَوْن به. وقرأ أبو حيوة وسهلٌ بفتحها، أي: ما فيه راحةٌ للعباد كقوله:
{ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ }
[الواقعة: 89]

{ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

والرَّوْحُ: الاستراحةُ، وقد تقدَّم ذلك في يوسف. وقرأ ابن عباس وعائشة والحسن وقتادة في جماعةٍ كثيرة بضمِّ الراءِ، وتُرْوَى عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. قال الحسن: الرَّوْحُ: الرحمةُ؛ لأنها كالحياة للمرحومِ. وعنه أيضاً: رُوْحُه تَخْرُج في رَيْحان. وقد تقدَّم الكلامُ على { رَيْحَانٌ } والخلافُ فيه وكيفيةُ تصريفِه في السورةِ قبلها.​
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الخمسون بعد المائة

{ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ }

قال القرطبي فى تفسيره

{ وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ }: بالظاء، قراءة ٱبن كثير وأبي عمرو والكسائيّ، أي بمتَّهم، والظنة التُّهمَة؛ قال الشاعر:
أما وكِتاب اللَّهِ لا عن شناءةٍ هُجِرتُ ولكِنّ الظنِينَ ظَنِينُ
وٱختاره أبو عُبيد؛ لأنهم لم يُبَخِّلوه ولكن كذبوه؛ ولأن الأكثر من كلام العرب: ما هو بكذا، ولا يقولون: ما هو على كذا، إنما يقولون: ما أنت على هذا بمتَّهم. وقرأ الباقون «بِضَنِينٍ» بالضاد: أي ببخيل من ضَنِنْت بالشيء أضنّ ضِنًّا (فهو) ضنِين. فروى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد قال: لا يضنّ عليكم بما يعلم، بل يُعَلِّم الخَلْقَ كلام الله وأحكامه. وقال الشاعر:

أَجود بِمكنونِ الحديثِ وإننِي
بِسِرِّكِ عمن سالنِي لضَنِينُ

 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الواحدة والخمسون بعد المائة

{ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ }

قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: { لاَّ يُصَدَّعُونَ }: يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفة أخبر عنهم بذلك، وأن تكونَ حالاً من الضمير في " عليهم " ومعنى لا يُصَدَّعون عنها أي: بسببها. قال الزمخشري: " وحقيقتُه: لا يَصْدُرُ صُداعُهم عنها " والصُّداع: هو الداءُ المعروفُ الذي يَلْحَقُ الإِنسانَ في رأسِه، والخمر تؤثِّر فيه. قال علقمة بن عبدة في وصف الخمر:
4210ـ تَشْفي الصُّداعَ ولا يُؤْذِيك صالبُها ولا يخالِطُها في الرأس تدويمُ
ولما قرأت هذا الديوان على الشيخ أثير الدين أبي حيان رحمه الله قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقال لي: لَمَّا قرأتُه على الشيخ أبي جعفر ابن الزبير قال لي: هذه صفةُ خمر الجنة. وقيل: لا يُصَدَّعون: لا يُفَرَّقون كما يتفرَّق الشَّربُ عن الشَّراب للعوارض الدنيوية. ومِنْ مجيء تَصَدَّعَ بمعنى تَفَرَّق قولُه: " فتصدَّع السحابُ عن المدينة " ، أي: تفرَّق. ويُرَجِّحه قراءةُ مجاهد " لا يَصَّدَّعون " بفتح الياءِ وتشديد الصادِ. والأصلُ: يَتَصَدَّعون، أي: يتفرَّقون كقوله تعالى:
{ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ }
[الروم: 43]. وحكى الزمخشري قراءةً وهي " لا يُصَدِّعون " بضم الياء وتخفيفِ الصادِ وكسرِ الدال مشددةً. قال: أي لا يُصَدِّعُ بعضُهم بعضاً، أي: لا يُفَرِّقُونهم. وتقدَّم الخلافُ بين السبعة في " يُنزِفُونَ " وتفسيرُ ذلك.

وقرأ ابن أبي إسحاق بفتح الياء وكسر الزاي مِنْ نَزَفَ البِئْرُ، أي: اسْتُقِيَ ما فيها. والمعنى: لا تَنْفَدُ خمرُهم. قال الشيخ: " وابن أبي إسحاق أيضاً، وعبد الله والجحدريُّ والأعمش وطلحة وعيسى، بضمِّ الياء وكسر الزاي أي: لا يَفْنى لهم شراب ". قلت: وهذا عجيبٌ منه فإنَّه قد تقدَّم في الصافات أن الكوفيين يَقْرَؤون في الواقعة بكسر الزاي، وقد نقل هو هذه القراءة في قصيدته.​

{
لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ }


قال السمين الحلبي فى الدر المصون

قوله: " يُنْزَفُون " قرأ الأخَوان " يُنْزِفون " هنا وفي الواقعة بضمِّ الياءِ وكسرِ الزاي. وافقهما عاصمٌ على ما في الواقعة فقط. والباقون بضم الياءِ وفتحِ الزاي. وابنُ أبي إسحاق بالفتح والكسر. وطلحةُ بالفتح والضمِّ. فالقراءةُ الأولى مِنْ أَنْزَفَ الرجلُ إذا ذهب عقلُه من السُّكْرِ فهو نَزِيْفٌ ومَنْزُوْف. وكان قياسُه مُنْزَف كـ مُكْرَم. ونَزَفَ الرجلُ الخمرةَ فأَنْزَف هو، ثلاثيُّه متعدٍ، ورباعيُّه بالهمزةِ قاصرٌ، وهو نحو: كَبَيْتُه فأَكَبَّ وقَشَعَتِ الريحُ السَّحابَ فأَقْشَع/ أي: دخلا في الكَبِّ والقَشْع. وقال الأسودُ:
3797 ـ لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ لبِئْسَ النَّدامى أنتمُ آلَ أَبْجرا
ويقال: أَنْزَفَ أيضاً أي: نَفِدَ شرابُه. وأمَّا الثانيةُ فمِنْ نُزِف الرجلُ ثلاثياً مبنياً للمفعول بمعنى: سَكِر وذَهَبَ عَقْلُه أيضاً. ويجوزُ أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مِنْ أُنْزِف أيضاً بالمعنى المتقدِّم. وقيل: هو مِنْ قولِهم: نَزَفْتُ الرَّكِيَّةَ أي: نَزَحْتُ ماءَها. والمعنى: أنهم لا تَذْهَبُ خمورُهم بل هي باقيةٌ أبداً. وضَمَّنَ " يُنْزَفُوْن " معنى يَصُدُّون عنها بسبب النزيف. وأمّا القراءتان الأخيرتان فيقال: نَزِف الرجلُ ونَزُف بالكسر والضم بمعنى: ذَهَبَ عَقْلُه بالسُّكْر.

والغَوْلُ: كلُّ ما اغتالك أي: أَهْلَكك. ومنه الغُوْلُ بالضم: شيءٌ تَوَهَّمَتْه العربُ. ولها فيه أشعارٌ كالعَنْقاءِ يُقال: غالني كذا. ومنه الغِيْلَة في القَتْل والرَّضاع قال:
3798 ـ مَضَى أَوَّلُونا ناعِمِيْنَ بعيشِهِمْ جميعاً وغالَتْني بمكةَ غُوْلُ
وقال آخر:
ـ وما زالَتِ الخَمْرُ تَغْتالنا وتَذْهَبُ بالأولِ الأولِ
فالغَوْل اسمٌ عامٌّ لجميع الأَذَى.​
 
  • أعجبني
التفاعلات: شخص واحد

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثانية والخمسون بعد المائة

{ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ ٱلْعَآدِّينَ }

قال السمين الحلبي في دره المصون وكنزه المكنون:

قوله: { ٱلْعَآدِّينَ }: جمعُ " عادٍّ " من العَدَد. وقرأ الحسن والكسائي في روايةٍ بتخفيفِ الدالِ جمعَ " عادٍ " اسم فاعل مِنْ عدا أي/: الظَّلَمَة.

وقال أبو البقاء: " وقُرىء بالتخفيفِ على معنى العادِيْن المتقدِّمين كقولك: " وهذه بِئْرٌ عادية " ، أي: سَلْ من تقدَّمَنا. وحَذَفَ إحدىٰ ياءَي النسَب كما قالوا الأشعرون وحَذَفَ الأخرى لالتقاء الساكنين ". قلت: المَحْذوفُ أولاً مِن الياء الثانية لأنها المتحركةُ، وبحذفِها يلتقي ساكنان. ويؤيِّد ما ذكره أبو البقاء ما ذكره الزمخشري فقال: " وقُرىء " العادِيِّين " أي: القدماء المُعَمَّرين فإنهم يستقصرونها فكيف بمن دونهم؟ ". وقال ابن خالويه: " ولغةٌ أخرىٰ " العاديِّين " ـ يعني بياءٍ مشددة جمع عادِيَّة ـ بمعنى القدماء ".
 

راضِي

الإدارة التقنية للمنتدى
إدارة المنتدى
10 مايو 2015
27,661
1
5,536
113
الجنس
ذكر
القارئ المفضل
عبد الودود حنيف
علم البلد
رد: أثر القراءات على علم التفسير

بارك الله فيك
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الثالثة والخمسون بعد المائة

{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ }

قال السمين الحلبي في الدر المصون:

قوله { أَوْ أَن نَّفْعَلَ } العامة على نون الجماعة أو التعظيم في " نفعل " و " نشاء ". وقرأ زيد بن علي وابن أبي عبلة والضحاك بن قيس بتاء الخطاب فيهما. وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة الأول بالنون والثاني بالتاء، فَمَنْ قرأ بالنون فيهما عَطفه على مفعول " نترك " وهو " ما " الموصولةُ/، والتقدير: أصلواتُك تأمركَ أن نَتْرُكَ ما يعبدُ آباؤنا، أو أن نترك أن نفعلَ في أموالِنا ما نشاء، وهو بَخْسُ الكَيْل والوَزْنِ المقدَّم ذكرُهما. و " أو " للتنويع أو بمعنى الواو، قولان، ولا يجوز عَطْفُه علىٰ مفعول " تأمرك "؛ لأن المعنىٰ يتغير، إذ يصير التقدير: أصلواتُك تأمُرك أن نفعلَ في أموالنا.

ومَنْ قرأ بالتاء فيهما جاز أن يكونَ معطوفاً على مفعول " تأمرك " ، وأن يكونَ معطوفاً على مفعول " نترك " ، والتقدير: أصلواتك تأمرك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء أنت، أو أن نترك ما يعبد آباؤنا، أو أن نترك أن تفعل أنت في أموالنا ما تشاء أنت.

ومَنْ قرأ بالنون في الأول وبالتاء في الثاني كان " أن نفعل " معطوفاً على مفعول " تأمرك " ، فقد صار ذلك ثلاثةَ أقسام، قسمٍ يتعينَّ فيه العطفُ على مفعول " نترك " وهي قراءةُ النونِ فيهما، وقسمٍ يتعيَّن فيه العطفُ على مفعول " تأمرك " ، وهي قراءةُ النون في " نفعل " والتاء في " تشاء " ، وقسمٍ يجوز فيه الأمران وهي قراءةُ التاء فيهما. والظاهرُ من حيث المعنىٰ في قراءة التاء فيهما أو في " تشاء " أن المراد بقولهم ذلك هو إيفاءُ المكيال والميزان؛ لأنه كان يأمرهم بهما. وقال الزمخشري: " المعنىٰ: تأمرك بتكليف أن نترك، فحذف المضاف لأنَّ الإِنسان لا يُؤْمَرُ بفعل غيره ".
 

اسامة محمد خيري

عضو موقوف
26 يناير 2013
1,935
143
63
الجنس
ذكر
رد: أثر القراءات على علم التفسير

الجوهرة الرابعة والخمسون بعد المائة

{ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قال ابو حيان في بحره المحيط

قال مجاهد: { وأثاروا الأرض }: حرثوها. وقال الفراء: قلبوها للزراعة. وقال غيرهما: قلبوا وجه الأرض لاستنباط المياه، واستخراج المعادن، وإلقاء البذر فيها للزراعة؛ والإثارة: تحريك الشيء حتى يرتفع ترابه. وقرأ أبو جعفر: وآثاروا الأرض، بمدة بعد الهمزة. وقال ابن مجاهد: ليس بشيء، وخرجه أبو الفتح على الإشباع كقوله:
ومن ذم الزمان بمنتزاح
وقال: من ضرورة الشعر، ولا يجيء في القرآن.

وقرأ أبو حيوة: وآثروا من الإثرة، وهو الاستبداد بالشيء.

وقرىء: وأثروا الأرض: أي أبقوا عنها آثاراً
 

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع