رد: لمسات قرآنية للتذكير بكتاب رب البرية......متجدد
44-
أواصل معكم الرحلة البلاغية في رياض الآية الكريمة المتقدمة :
( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود
من الجوانب البلاغية التي يلمسها المتأمل في هذه الآية :
- إفراد الماء, وفي ذلك إشارة إلى أن الماء لم يحصل من تكاثر المياه واجتماعها, بل هو نوع واحد حصل بأمر الله سبحانه وتعالى.
- إفراد أرض, وفي ذلك إشارة إلى شمولية هذا الماء كل الأرض.
- " يسماء اقلعي "
في هذا المقطع القرآني مجاز مرسل , علاقته السببية, وتقديره يامطر السماء اقلع.
- " يا أرض ابلعي ماءك " :
في إضافة الماء إلى الأرض مجاز, تشبيها لاتصاله بها اتصال الملك بالمالك, كما أن فيه تنبيه على أن الأرض مصدر حدوث هذا الماء أيضا.
- في الآية فن بلاغي وهو الإرداف :
المقصود بالإرداف وهو أن يريد المتكلم معنى ولا يعبر عنه بلفظ الموضوع له, ولا بدلالة الإشارة بل بلفظ يرادفه.
المثال الأول : " وقضي الأمر "
والأصل: وهلك من قضى الله هلاكه ونجا من قضى الله نجاته.
إن في استخدام لفظ الإرداف إيجاز وتنبيه على أن هلاك الهالك ونجاة الناجي كان بأمر آمر مطاع وقضاء من لا يرد قضاؤه والأمر يستلزم آمرًا فقضاؤه يدل على قدرة الآمر به وقهره .
المثال الثاني : " واستوت على الجودي "
حقيقة ذلك جلست فعدل عن اللفظ الخاص المعنى إلى مرادفه لما في الاستواء من الإشعار بجلوس مستقر لا ميل فيه وهذا لا يحصل من لفظ الجلوس.
حسن النسق :
يراد بالنسق أن تكون الكلمات المتتالية ذات تلاحم قوي ومحكم وسليم, بحيث إذا أفردت كل جملة منه قامت بنفسها, واستقل معناها بلفظها عن الأخرى.
( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود
إن هذه الآية مثال قوي على تجسيد هذا الفن البلاغي, فجمل الآية الشريفة جاءت مترادفة بواو النسق, بترتيب في غاية الجمال, فالهدف الأسمى هو أن ينطلق أصحاب نوح من السفينة إلى الأرض, وذلك لا يتحقق إلا بانحسار الماء عن الأرض, فلذلك تم توجيه النداء إلى الأرض أولا حيث أُمرت بابتلاع الماء, ثم وجه النداء الثاني إلى السماء بالإقلاع, ثم تلى ذلك مجيء خبر ( غيض الماء ) حيث انحسار الماء, وأعقب ذلك بيان ( وقضي الأمر ) والذي يوحي بهلاك القوم العصاة ونجاة القوم المؤمنين, ثم الإشارة إلى استواء السفينة واستقرارها ليبعث الأمن في أنفس النجاة, ثم اختتام المشهد بالدعاء على العصاة المكابرين.
يوجد تناسق قوي بين هذه الجمل المعطوفة.
لا حظوا أن كل جملة قائمة بذاتها, وبمكن أن تعطي معنى مستقلا منفردة :
" قيل يا أرض ابلعي ماءك "
" يا سماء اقلعي "
" غيض الماء "
" قُضي الأمر "
" استوت على الجودي "
" قيل بعدًا للقوم الظالمين "
المصدر
من روائع الإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن الكريم للشيخ أشرف الشوادفى