عبد الرزاق بن محمد حسن بن رشيد بن حسن الحلبي
(سوريا)
العلاَّمة المربِّي الكبير الفقيه المُقرئ الشيخ عبد الرزاق بن محمد حسن بن رشيد بن حَسَن بن أحمد الحَلَبي أصلاً وشُهرةً، الدِّمشقي الحَنَفي.
وِلادتُه ونشأتُه:
وُلِد بدمشق في شعبان سنة 1343ه - 1925م، ونشأ بين أَبَوَين صالحين، فوالده طالبُ علمٍ جَمَعَ بين التِّجارة وحُضور مجالس العلماء، ووالدته هي السيدة وسيلة ابنة مفتي الشام العلامة الشيخ محمد عطاء الله الكسم رحمه الله.
تُوفي والده سنة 1352ه فَنَشَأَ يتيماً في تربيةِ وتوجيهِ عمِّه الشيخ محمد عيد الحلبي، فَدَخَلَ الابتدائية في مدرسة الرَّشيد بدمشق سنة 1352ه - 1933م، وتَخَرَّج منها سنة 1357ه - 1938م.
دَخَل بعدَها التجهيزَ فمَكَث فيها نحو سنتين، ثم ترك الدراسة والتحق بالعَمَل في صنعة النسيج.
شيوخه في تحصيل العلوم:
ثم تَعَرَّف على العلاَّمة الشيخ محمد صالح الفرفور، فبدأ بِملازمة حَلَقاتِه منذ ناهز البلوغ سنة 1358ه - 1939م، وبقي مُلازماً له إلى وفاته سنة 1407ه - 1986م.
لازَمَه في حَلَقَاته في المسجد الأموي، وفي المدرسة الفتحية، وفي منزله، وفي سائر نشاطاته التدريسية، وهو شيخ تحصيله وتخريجه، قرأ عليه جُلَّ العُلُوم الشرعية والعربية قراءةَ بحثٍ وتحقيق ومُدارسةٍ وإتقان، وأسَّس معه ومع نُخبةٍ من تلاميذ الشيخ وتُجَّار دمشق الأبرار جمعيةَ الفتح الإسلامي، ثم معهد الفتح الإسلامي، وَرَافقه طَوال مسيرته العلمية والتربوية، وكان -مع زُملائه في الطَّلب- ساعِدَه الأيمنَ في إدارة معهده وجمعيته ونهضته، وأجازه إجازةً عامةً بالمعقول والمنقول.
أما القرآن الكريم وعُلُوم القراءات، فأخذها عن الشيخ محمود فايز الديرعطاني، والشيخ الدكتور محمد سعيد الحلواني والشيخ حسين خطَّاب.
وذلك أنه بدأ بحفظ الشاطبية على الشيخ محمود فايز الديرعطاني، ثم تُوفي فأتمها على الدكتور سعيد الحلواني، وحفظ عليه الدرة أيضاً، وقرأ عليه عدة ختمات بالروايات المتنوعة إفراداً، ثم بدأ عليه بالجمع الكبير، فتُوفي إلى رحمة الله، فتحوَّل بعده إلى الشيخ حسين خطاب، فقرأ عليه خَتماً كاملاً بالقراءات العَشر، وأتمَّ عليه في شهر ربيع الثاني سنة 1391ه، وأجازه أن يَقرأ ويُقرِئ بشرطِه المعتَبر عند أهل العلم.
شيوخه في الإجازة:
حصل الشيخ –حفظه الله- على عددٍ من الإجازات سوى ما ذُكر
فأجازه العلامة الشيخ محمد أبو اليسر عابدين مفتي الشام، والعلامة الشيخ محمد العربي العزوزي أمين الفتوى ببيروت، كَتَب له الإجازة بخطِّه على غلاف ثبته المطبوع (إتحاف ذوي العناية) وذلك في أواخر رمضان سنة 1374ه.
وأجازه العالم المُعمَّر الشيخ أحمد بن محمد القاسمي بإجازته من الشيخ محمد عطاء الله الكسم، كما أجازه الشيخ مُلا رمضان البوطي.
وتبادل الإجازة مع الشيخ محمد ديب الكلاس والشيخ محمد بن عَلَوي المالكي.
والتقى في الحجاز بعددٍ من مشاهير عُلمائه، منهم: الشيخ محمد إبراهيم الفضلي الختني، وأهداه عدداً من الكُتُب والرسائل بطريق المناولة الحديثية، منها رسالة (نشر الغوالي من الأسانيد العَوَالي) ورسالة (الإسعاد بالإسناد)، كلاهما للشيخ محمد عبد الباقي الأنصاري اللكنوي ثم المدني.
عنايته بالتعليم والإرشاد:
قضى الشيخ -حفظه الله- جميع عُمُره في التدريس وإقراء الكُتُب ليلاً ونهاراً، لا يَكلُّ ولا يَمَلُّ، فأقرأ العَشَرات من الكُتُب الأمهات في مُختلف العُلوم.
بدأ الدرس الأول سنة 1368ه-1949م تحت قُبَّة النَّسر في الجامع الأُموي، حيث ألقَى دَرسَاً عاماً حَضَره تشجيعاً العلامةُ الشيخ محمد هاشم الخطيب.
وكان أكثر تدريسه في المسجد الأموي، أقرأ فيه بعد الفجر، وبين المغرب والعِشاء، في كل يومٍ أكثر من ستين سنة، كما درَّس في مساجد أُخرى كالباذرائية، ومسجد القطاط، ومسجد فتحي القلانِسي في القيمرية، ومسجد الياغوشية في الشاغور، وغيرها من المساجد، بالإضافة إلى تدريسه في معهد الفتح الإسلامي منذ تأسيسه حتى الآن.
أما الكُتُب التي أقرأها خلال مسيرته العِلمية فلا تكادُ تُحصى، وكان يهتم في إقرائه للكُتُب بأمورٍ هامة:
أولها: يختار الكُتُبَ الأمهات، ولا سيما المطوَّلات منها في مختلف العُلُوم.
ثانيها: يقرأ هذه الكُتُب بطريقة السَّرد بحيث يقف عند المُشكِلات، ولا يُسهِبُ في شرحِ ما سِواها.
ثالثها: يحرِصُ على المواظبة وإتمام الكتاب إلى آخره ضمن برنامجه المُحدَّد له.
رابعها: يُعيدُ قراءة الكُتُب الهامة مرَّتين أو ثلاثاً أو أكثر.
فمن الكُتُب التي أقرأها (لا على سبيل الحَصر):
تفسير النسفي، والخازن، والقُرطبي، والإتقان في عُلوم القرآن.
الكُتُب الستة في الحديث، وموطَّأ مالك، وشرح النووي على مُسلم، وبذل المجهود شرح سنن أبي داود، وجامع الأصول.
مراقي الفلاح، وحاشية الطحطاوي، والاختيار، وحاشية ابن عابدين، والهدية العلائية، وكشف الحقائق شرح كنز الدقائق، والأشباه والنظائر لابن نُجيم، والهداية للمرغيناني.
شرح قَطرِ الندى، وشرح شُذُور الذهب، ومغني اللبيب، وشرح ابن عقيل في النحو.
الشفا للقاضي عِياض، وإحياء عُلُوم الدين، والرِّسالة القُشيرية، وصفة الصفوة، ونوادر الأصول، وشرح عين العِلم وزينِ الحِلم.
وغيرها من الكُتُب في مختلف العُلُوم.
إقراؤه للقرآن الكريم:
تصدَّر الشيخ للإقراء، فَحَفِظَ القرآنَ عليه مئاتٌ من طلبة العلم، ونالوا منه الإجازة برواية حفص عن عاصم، ولا يُمكن إحصاؤهم لكثرتهم.
أما الذين جَمَعوا عليه القراءات العَشر وأتمُّوها فهم: إحسان السيد حسن، محمد بدر الدين الأغواني، غسان الهبا، أحمد الخُجا، زياد الحوراني، رِفعت علي أديب، محمد صادقة، ماهر الهندي.
وبدأ غيرُهم بالجَمع ولم يُتمِّوا.
أما الوقت الذي يُقرئ فيه الشيخ فغالب يومه، بعد صلاة الفجر، ومن فترة الضُّحى إلى ما بعد العِشاء، لا يردُّ قارئاً، ولا يكلُّ ولا يَمَلّ.
وفي سنة 1427ه اختير الشيخ –حفظه الله- مع مجموعةٍ من كِبَار المُقرِئين في دمشق للتكريم من قِبَل وزارة الأوقاف ومركز زيد بن ثابت لخدمة الأنشطة القرآنية.
وكان تكريمُه في حَفلٍ رسميٍّ في مُدرَّج جامعة دمشق، وحفلٍ آخرَ شعبيٍ في جامع الشيخ عبد الكريم الرِّفاعي بدمشق يومي 13/14/آذار/2006م.
مفتي عام سوريا الدكتور أحمد بدر الدين حسون خلال تكريم الشيخ عبد الرزاق
جهوده في رعاية جمعية الفتح الإسلامي ومعهدها الشرعي:
الشيخ حفظه الله هو اليد اليمنى للشيخ محمد صالح الفرفور رحمه الله في تأسيس الجمعيَّة ونشاطاتها مع زميلة الشيخ رمزي البزم رحمه الله، فكان لهما مع الشيخ نشاطات واسعة في جباية أموالها في الداخل والخارج، وفي رعايتها ومتابعة مسؤولياتها والإشراف عليها.
وكذلك كان له اليد الطولى في تأسيس المعهد وفي إدارته، والتدريس فيه منذ تأسيسه، بل قبل ذلك حينما كانت النهضة عبارة عن حلقات في المساجد.
ولمَّا توفي الشيخ محمد صالح فرفور رحمه الله تولى بعده رئاسة الجمعية، واتفقت كلمة تلاميذ الشيخ وأبنائه على أنه خليفة الشيخ وأمينه على نهضته والمرجع الأول في الشؤون الإدارية الهامة، وفي الشؤون العلمية، ولازال حفظه الله حتى الآن يرعى هذا المعهد بعطفه وغيرته وتوجيهاته.
تَضلُّعُهُ بالعُلُوم:
الشيخ -حفظه الله- عالمٌ مُتمكِّنٌ في جميع العلوم الشرعية والعربية، واسع الاطِّلاع، قوي الحافظة، حادُّ الذاكرة، يستحضر الكثير من المتون وعبارات العلماء، ويستشهد بها عند الحاجة إليها وكأنَّه يقرؤها من الكتاب.
يُحبُّ الاطِّلاع على معارف عصره، فقد تعلَّم اللغتين الفرنسية والتركية، وكان يتحدث بهما مع الطلاب أحياناً.
وهو إلى ذلك مُولَعٌ بالقراءة والمطالعة كُلَّما سَنَحَت له الفرصة، ولمَّا تقدَّمت به السِّنُّ صار يُكلِّف مَن حولَه بأن يَقرأ له.
تلاميذه:
تلاميذه الذين تخرجوا عليه، أو حضروا دروسه لا يُحصَوْن كثرةً، فكل من تخرَّج في معهد الفتح الإسلامي منذ تأسيسه حتى الآن هم من تلاميذه، والكثيرون من طُلاب الحلقات قبل تأسيس المعهد وبعده، في مختلف المساجد التي درَّس فيها ولاسيما في المسجد الأموي.
وأما الذي حَصَلوا منه على الإجازة العلمية العامة فهم أيضاً كثيرون، منهم المدرّسون للعلوم الشرعية والعربية في معهد الفتح الإسلامي وأجازهم جميعاً بإجازته المطبوعة سنة 1423ه.
وظائفه التي تقلَّدها
أولاً: وظيفة الإمامة والخَطابة في عددٍ من مساجد دمشق، ففي سنة 1364ه-1945م وُجِّهت إليه وظيفة الخطابة في المدرسة الفتحية (جامع فتحي) وكالةً ثم أصالةً سنة 1367ه-1947م.
وفي عام 1376ه-1956م كُلِّف بوظيفة الخطابة في جامع الجوزة وَكَالةً.
وفي سنة 1390ه-1970م نُقِل من وظيفة إمامة جامع القطاط الموكلة إليه سابقاً، إلى إمامة المِحراب الحنفي في المسجد الأموي.
وأخيراً تولَّى الخطابة في جامع بلال الحبشي.
ثانياً: وظيفة التدريس الديني في دار الفتوى.
ثالثاً: وظيفة إدارة المسجد الأموي منذ 1400ه-1980م.
رابعاً: سُمِّيَ شيخَ الجامع الأموي بقرارٍ من وزير الأوقاف عام 2005م.
خامساً: عضوية جمعية الفتح الإسلامي منذ تأسيسها سنة 1375ه-1956م. ثم نائباً للرئيس ثم رئيساً لها سنة 1986م، بالإضافة إلى إدارة معهدها منذ تأسيسه إلى سنة 1984.
سادساً: رئاسة جمعية النداء الخيري في القيمرية.
سابعاً: كما حضر الكثير من المؤتمرات في العديد من البلدان الإسلامية وغيرها.
صِفاتُه الخُلُقية وهمَّتُه في العِبادة:
الشيخ – حفظه الله- من العُلماء الكُمَّل المخلِصين (ولا نُزكِّي على الله أحداً) جمع صفات الرِّجال الكِبار من الهمة العالية في الطاعة والعبادة والعِلم والتعليم، مع حُسن الأخلاق وطيب العِشرة، والتواضع والزهد في الدنيا، والكَرَم والجود، يبذل الصدقات ويقضي حوائج الناس، ملتزمٌ بالسنة المطهَّرة، يُحبُّه كلُّ من حوله، ويهابه كلُّ من يراه، يحفظ وقته كلَّه بين الطاعة والعبادة والعلم والتعليم والإقراء، مواظبٌ على برنامجه اليومي منذ نشأته، لا يخرمُه لا يبدِّله، يُحافظ على صلاة الجماعة في المسجد الأموي بلا انقطاعٍ إلا في مَرَضٍ أو سَفر، مواظبٌ على الحجِّ في كلِّ عام منذ سنة 1370ه تقريباً، فزادت حِجاته على خمسين حجةً، كان في الكثير منها مُشرفاً على البِعثة السُّورية.
بارَكَ اللهُ في عُمُر شيخنا، وأمدَّه الله بالصحة والعافية، ونَفَعَ الأمة بِعلمِه.
بقلم الأستاذ عمر النشوقاتي
مدرس في معهد الفتح الإسلامي
وانظر:
الترجمة من ويكيبيديا
ترجمة تلميذه أبو الفضل محمد بن أحمد ححود التمسماني- المغرب
نشرت في مجلة الفرقان - الأردن
عبد الستار بن فاضل بن خضر بن جاسم بن محمد بن خضر النعيمي
(العراق)
الموصلي ، الملقب بـ (أمل القراء ، وزين الدين ، ونور الدين ) ، والمكنى بـ (أبي زهراء ، وأبي أحمد )، ولد في مدينة الموصل في دار جده المجاورة لمدرسة الفلاح القريبة من جامع نبي الله شيث (عليه السلام) ، يوم الخميس (24جمادى الأولى 1381هـ/ 1961م ) ، من أسرة موصلية عربية مسلمة معروفة بالعلم والتقوى والصلاح.
أنهى دراسته الابتدائية و المتوسطة ،والإعدادية في مدارس الموصل بتفوق ،وبناء على رغبته ورغبة عائلته ومشايخه التحق بكلية الشريعة في جامعة بغداد وتخرج فيها سنة ( 1404هـ / 1983م ) وكان الأول على الكلية ، ثم حصل على شهادة الماجستير سنة (1408هـ / 1987م ) ،وشهادة الدكتوراه في الشريعة والعلوم الإسلامية سنة ( 1417هـ / 1996م ) بتقدير ( امتياز) وكان موضع اعتزاز مشايخه في الكلية ومن أشهرهم الشيخ الدكتور هاشم جميل عبدالله، والشيخ الدكتور حمد عبيد الكبيسي ، والشيخ أحمد حسن الطه وغيرهم.
بدأت رحلته مع القرآن الكريم طفلا صغيرا يصغي إلى والديه وهما يتلوان آيات الله آناء الليل وأطراف النهار فتأثر بهما ، وتعلم ما يعرف بالسواد من والده الذي أخذ بيده إلى مسجد الحاج عبد الرحمن السمان في محلة باب البيض ليتعلم علم التجويد على رجل مبارك هو الحاج عبد الله الجرجيس (رحمه الله) ، فقرأ عليه ( هداية المستفيد) وشيئا من القرآن الكريم ، ثم انتقل إلى الشيخ الحافظ الملا ذنون بن حامد العلوش ( رحمه الله ) المكنى (بأبي رفعت ، وبأبي الغتر) الذي كان من علماء الموصل ، وإماما وخطيبا في جامع الزيواني في محلة باب البيض ، وهومن تلامذة شيخ القراءات الشيخ الحافظ عبد العزيز بن عبد الحميد الخزرجي الضرير(رحمه الله) ، فقرأ عليه القرآن الكريم من أول سورة الفاتحة إلى الجزء الثامن والعشرين ، وتلقى عنه مبادئ العلوم في جامع الزيواني وفي داره القريبة من الجامع المذكور في محلة (المياسة )، وأحاطه بالرعاية ، وكان معجبا بصوته الجميل وذكائه وقابليته على سرعة التلقي والحفظ ، وكان يتوسم فيه مستقبلا زاهرا في العلم والقراءة ، ويصرح بذلك في مجالسه ، ولكن قضى الله بأن يتوفى الشيخ ذنون في (8 ربيع الأول 1399هـ / 1978م ) ، فتألم كثيرا لفقد شيخه الذي كان متعلقا به ويحبه كثيرا،حتى أنه عبر عن شدة ألمه بقوله نظما في ذلك الوقت المبكر من عمره:
صروف الدهر آذتني ببين فما للشيخ يتركني فريـــدا
ويا أسفى على شيخ همام قضى نحبا وخلاني وحيدا
وفي سنة ( 1400هـ / 1979م ) اتصل بشيخه المحقق المدقق فضيلة الشيخ يونس بن إبراهيم الطائي (رحمه الله) الذي كان من أشهر تلامذة الشيخ محمد صالح الجوادي (رحمه الله) والشيخ عبدالفتاح الجومرد (رحمه الله) ، وأكثرهم ضبطا وإتقانا ، فأحاطه هو الآخر بالعناية والرعاية لما وجد فيه من الذكاء والقابلية لتلقي هذا العلم الجليل ، وأخذه إلى مجلس شيخه الشيخ عبد الفتاح الجومرد(رحمه الله) فقرأ أمامه آيات من القرآن الكريم فاستحسن قابليته وجمال صوته وأدائه فأوصى الشيخ الجومرد تلميذه الشيخ يونس (رحمه الله ) بأن يخصه بعنايته ، فكان يقرئه في جامع اليقظة الإسلامية وفي داره في الموصل الجديدة قراءة إتقان وتحقيق،ويخصه من بين زملائه بمزيد من الوقت والعناية والتدقيق ، فأتم عليه ختمة كاملة برواية حفص عن عاصم سنة ( 1407هـ / 1986م ) ، فوجههه لإكمال القراءات السبع ، وكان من منهج الشيخ يونس أن لا يقرئ القراءات السبع إلا لمن يكون أهلا لتحملها بكل ما يتطلبه هذا التحمل من ضوابط ، وكان شديد التحري في منح الإجازة ، فقرأ عليه القراءات السبع من طريق الشاطبية والتيسير، وجمع للجمع الكبير من أول سورة الفاتحة إلى قوله تعالى ( وكان بين ذلك قواما ) من سورة الفرقان ؛ إذ اخترمت المنية هذا التواصل بوفاة الشيخ يونس(رحمه الله) ، في (9 ربيع الثاني 1424هـ / 2003م ) ، وقد سجل عددا من دروسه تسجيلا صوتيا ومنها مبحث (آلآن) في سورة يونس من طريقي غيث النفع والإرشادات الجلية ، كما سبع مصحفا بخط يده ؛ إذ كان الشيخ يونس يلزم تلميذه بذلك لما في ذلك من فائدة كبيرة يكتسبها التلميذ من مراجعاته لعبارات العلماء وتدوين المعلومة بعد فهمها وما يتطلبه ذلك من صبر وأناة ،وقد كان يعلق عليه الشيخ يونس أمله ويقول له : ( أريد أن أجعلك ركنا في القراءة في هذه المدينة ، فلا تكن من طلاب الأجازات فإن قراءتك هي إجازة ) ، وقد أثمرفيه هذا الجهد الذي يشهد عليه الشبه الكبير بين قراءته وقراءة شيخه الذي يحس به كل من يستمع إلى تلاوتيهما ، والتزامه بمنهج شيخه في القراءة والإقراء وقد أجازه برواية حفص عن عاصم في (9 ذي الحجة 1421هـ / 2000م ) بإجازته عن شيخه محمد صالح الجوادي ( رحمه الله ) ، وترك فراق شيخه أثرا بالغا في نفسه ، ورآه في عالم الرؤيا أكثر من مرة بما يشير إلى أن يكمل ختمة الجمع الكبير على أقدم تلامذة الشيخ يونس( رحمه الله) ، وهو فضيلة الشيخ علي بن حامد الراوي ، الذي أحاطه هو الآخر برعايته ،وفتح له داره ، وتفرغ لتدريسه ساعات طويلة ، وقرأ عليه الجمع الكبير من قوله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجا ) من سورة الفرقان إلى آخر سورة الناس مع أوجه التكبير قراءة إتقان وتحقيق ، فتمت الختمة المباركة في ( الثالث عشر من شعبان 1424هـ / 2003م ) ، فأجازه بالقراءات السبع في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك 1424هـ في حفل مهيب مليئ بالمشاعر والروحانية في جامع اليقظة الإسلامية حضره جمع كبير من العلماء وشيوخ القراءات ، ولقبه (بـأمل القراء) ؛لأنه كان محط آمال شيوخه ولاسيما شيخه يونس ( رحمه الله) ، وقد أرخ شيخه علي الراوي هذه الإجازة المباركة بأبيات قال فيها :
أجزت مفاخرا بالسبع شيخــــا أمينا مخلصــا وله امتيــــاز
له نفس علت كرما وفــضـــلا تكللها العلــوم لـــها ركـــاز
يرتل للورى فرقـــــان وحــي له من (يونس) أبدا طــــراز
وذا (الجومرد) متصف بحذق معلمه (الجوادي) المجــــــاز
وموصلنا (بعثمان ) تبـــاهت أخذنا عنه ما الفضلاء حازوا
اولئك معشر بلغوا المعـــــالي فنالوا رتبــــة ولهـــــــم مفاز
ففي شــــعبان مختتم بســـــبع نتيجته الحقيــــقة والمجـــــاز
فكن ( أمـلا لقــراء ) كـــــرام فأنت بوصلهم أســـد وبــــــاز
فيــا عبـدا لســـتار البـــــــرايا أأرخ(فضل صدرهم ففازوا)
1424هـ / 2003م
وفضلا عن علم التجويد والقراءات تلقى العلوم العقلية والنقلية المعروفة بعلوم الآلة والغاية على كبار علماء الموصل ، ومنهم الشيخ العلامة عثمان محمد الجبوري ، والشيخ العلامة الأزهري محمد علي إلياس العدواني ، والشيخ العلامة ذنون البدراني ، ومفتي الموصل الشيخ العلامة محمد ياسين (رحمهم الله) ، والشيخ العلامة مصطفى البنجويني ، كما كان يراجع علامة العراق الشيخ عبدالكريم المدرس (رحمه الله) في أثناء دراسته في كلية الشريعة ببغداد ويحضر بعض دروسه ، وبعد عشرين سنة أو تزيد من طلبه العلم كللت جهوده بنيله ثلاث إجازات عامة بالعلوم العقلية والنقلية ، ( الأولى ) من شيخه العلامة محمد علي الياس العدواني بسنده عن الشيخ العلامة عبد الغفور الحبار عن الشيخ العلامة محمد أفندي الرضواني (رحمهم الله) ، ليلة الاثنين (9ذي القعدة 1415هـ / 1994م ) ولقبه بـ (زين الدين ) ، ( والثانية ) من شيخه العدواني أيضا بسنده عن الشيخ العلامة بشير الصقال عن الشيخ العلامة عبد الله النعمة عن الشيخ العلامة الرضواني (رحمهم الله ) ،يوم السبت (16رمضان 1417هـ / 1996م ) ،( والثالثة ) من شيخه العلامة مفتي الموصل الشيخ محمد ياسين بسنده عن الشيخ العلامة بشير الصقال عن الشيخ العلامة عبد الله النعمة عن الشيخ العلامة الرضواني (رحمهم الله )، يوم الاثنين (29رجب 1425هـ / 2004م ) ولقبه بـ (نور الدين ) ، كما أجازه الشيخ علي حامد الراوي بحديث الأسودين ودلائل الخيرات وعدد من الأذكار والأوراد .
عين مدرسا للعلوم الشرعية والعربية في جامعة الموصل سنة ( 1409هـ / 1988م ) ، ومن الكليات التي درس فيها : كلية الآداب ، وكلية التربية ، وكلية التربية للبنات ، وكلية العلوم الإسلامية في جامعة الموصل ، وكلية العلوم الإسلامية بجامعة بغداد ، وكلية الإمام الأعظم ، والكلية التربوية ، وكلية المعرفة ، ومدرسة الحدباء الدينية في الموصل ،وأوفدته جامعة الموصل سنة(1420هـ / 1999م ) إلى اليمن أستاذا زائرا فدرس في كليتي الآداب والتربية بجامعة ذمار القريبة من صنعاء ، وقد تأثر به طلبته كثيرا في اليمن ،وقد أهله هذا الطلب المثابر للعلم أن يدرس أكثر من علم ،فقد كلف بتدريس مواد علمية عديدة لطلبته كان مجيدا فيها كلها ومؤثرا في طلبته ، من تجويد وتفسير وعقيدة وفقه وأصول وحديث ومنطق ونحو وبلاغة وغيرها ، وأشرف وناقش العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه ،واختير عضوا في العديد من اللجان العلمية وفي الهيئة الاستشارية لمجلة ( التربية والعلم) التي تصدرها كلية التربية في جامعة الموصل ، ومجلة كلية الشريعة التي تصدرها كلية الشريعة في جامعة تكريت ، وشارك في الكثير من المهرجانات والمسابقات القرآنية داخل العراق وخارجه ، منها المهرجان السنوي الدولي السادس لتلاوة القرآن الكريم وتفسيره في مكة المكرمة سنة ( 1404هـ / 1983م ) ، والمهرجان السنوي الدولي لتلاوة القرآن وتفسيره في مدينة مدراس في الهند سنة (1407هـ / 1986م ) .
كتب العديد من البحوث والمقالات المنشورة ، وله شعربعضه منشور أيضا ، ومن مؤلفاته:
(1ـ عون القدير في القراءات السبع من طريق الشاطبية والتيسير،وهو تسبيع كامل بخط يده في حاشية المصحف الشريف ، 2ـ وأبو السعود ومنهجه في التفسير ،3ـ والقاضي عبد الجبارمفسرا ،4ـ والصحيح والحسن من أحاديث فضائل السور ،5ـ والقراءات عند مكي بن أبي طالب القيسي ، 6ـ القراءات في تفسير النسفي ،7ـ الإمام الغزالي مفسرا ،8ـ نقد ابن كثير للإسرائيليات ،9ـبعض أحكام الحوالة في الفقه الإسلامي ،10ـ تحقيق كتاب بغية المستفيد في علم التجويد ، وغيرها ) .
تولى الخطابة في جوامع عدة في الموصل ، منها جامع الزيواني في باب البيض ، وجامع أبي زعيان النجماوي في الموصل الجديدة ، وجامع المهاجرين في حي الخضراء ، وجامع الفرقان في حي البعث ، وهو خطيب مؤثر يؤمه الناس لسماع خطبه وصوته الرخيم في الصلاة .
جلس لتدريس القرآن والعلوم العقلية والنقلية في جوامع عدة ، منها جامع المهاجرين وجامع العليم في حي الخضراء ،وجامع الفرقان في حي البعث، وجامع الولي في حي الإخاء ، وتلقى عنه الكثيرون من طلبة العلم ، وقد أجاز بالعلوم العقلية والنقلية كلا من : ( الشيخ أمير محمد سعيد المولى في 27رجب 1424هـ / 2003م ، والشيخ الطبيب الدكتور ليث يحيى إبراهيم في 12ربيع الأول 1426هـ / 2005م ، والشيخ ياسين يوسف محمد في 27 رمضان 1427هـ / 2006م ، والشيخ أحمد حازم الخشاب في 27رمضان 1431هـ / 2010م ) ، وأجاز برواية حفص عن عاصم ( الشيخ ياسين يوسف محمد ،الذي كان من تلامذة الشيخ يونس رحمه الله ، الذي كان قد أذن له مشافهة بالإقراء ) ،
وما يزال مستمرا في أداء هذه الأمانة ويدرس في جامعة الموصل وفي أحد الجوامع القريبة من داره ، ومن تلامذته المجدين الذين يقرؤن عليه الآن عند كتابة هذه الترجمة (ولده أحمد) الذي يشبهه في الصوت والقراءة ، والسيد(مهند محمد خير الدين) الذي قرأ على الشيخ يونس (رحمه الله) من أول سورة الفاتحة إلى أواخر سورة مريم (عليها السلام) ويكمل الختمة عليه ، كما يدرس عليه علوم الآلة والغاية عدد من طلبته النجباء ، وعرف المترجم له بأنه من المحافظين على منهج العلماء في العلم والتعليم عقيدة وعملا وسلوكا والمدققين في التدريس والإقراء.
كتبها: الاستاذ الدكتور ذنون الطائي
المصدر:
http://www.sherzaad.net/news.php?action=show&id=58
(ببعض الاختصار)
.
عبد السميع بن عبد الله بن علي أبو الوفا الحسني
(مصر ـ لبنان)
الشيخ عبد السميع الشريف
أول مقرىء في لبنان.
ولد في كفر الشرفا بمركز شبين القناطر بمصر عام 1300هـ والتحق بأحد الكتاب وحفظ القرآن الكريم غيبا وتعلق بتلاوته وتجويده، وقد وهبه الله صوتا رخيما وحنجرة ذات نفس، نفسا طويلا ساعده على التلاوة اليسيرة.
أنهى دراسته الإعدادية وسكن في حي مجاور للأزهر يقال له "حارة الطماعين" وكان من أصدقائه الخلص محمد محمد عبد اللطيف ابن الخطيب مدير المطبعة المصرية، والشيخ طه الفشني المقرىء الشهير والشيخ زكريا أحمد والشيخ إسماعيل الزعبلاوي. وقد ذاع صيت الشيخ عبد السميع وانتشر اسمه بين أبناء الحي والأحياء المجاورة نظرا لجمال صوته الذي كان يتلو به كتاب الله من دون أجر، رغبة منه في الحصول على الثواب عند الله تعالى.
وفي عام 1926 سمعه المرحوم كمال عباس، اللبناني وارث المدرسة الإسلامية الأزهرية في بيروت، والتي خرجت معظم المرموقين من أبناء بيروت، سمعه يتلو آيات الله، فتقرب إليه وعرض عليه السفر إلى بيروت ليعلم القرآن الكريم ويتلوه، فوافق بعد تردد.
كان الشيخ عبد السميع يجيد ركوب الخيل، فكان يمتطي حصانه الأشهب ويتنقل به من مكان إلى آخر. ولك يكن له منافس في التجويد والتلاوة، لذلك كان الناس ينتظرونه بفارغ الصبر في المسجد العمري الكبير وفي إحياء الاحتفالات والمناسبات الوطنية والدينية ليشنفوا آذانهم بصوته الشجي الآسر.
وقد كان طبيعيا، وحال شهرته على هذا النحو أن تمتد صداقته إلى بعض رجال السياسة والفكر والدين والأدب والتجارة والصناعة، فكان صديقا للرئيسين رياض وسامي الصلح ودولة الرئيس صائب سلام والمفتي محمد توفيق خالد، والشيخ توفيق الهبري، وعمر بك، وأحمد بك الداعوق، وأنيس الشيخ، وعمر بيهم، والشيخ محمد العربي العزوزي، وحسن مكي، وآل دوغان.
وقد افتتح الشيخ عبد السميع الشريف إذاعة لبنان بالقرآن الكريم على الهواء مباشرة وكان يدعى "راديو أوريان" واستدعي للقراءة في سوريا وفلسطين، وتوطدت صلته بالحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين.
إنتقل إلى جمعية المقاصد يعلم في مدارسها التربية الدينية والقرآن الكريم ويحيي المناسبات الدينية والوطنية بقراءة القرآن الكريم بصوته الرائع المؤثر في النفوس.
وخلال إقامة الشيخ عبد السميع في بيروت تعرف على الأمير عبد المجيد الهاشمي ابن عم الملك الراحل عبد الله، أول ملك لإمارة الأردن وأول سفير لها في لندن، فقويت الصلة بين الرجلين الهاشميين لقرابة النسب النبوي من جهة، ولحب سماع الأمير لتلاوة القرآن الكريم من جهة أخرى. وما أن أعلنت المملكة الأردنية الهاشمية بعد أن كانت إمارة حتى عرض الأمير على الشيخ السفر للأردن ليكون إماما للمسجد الأقصى وللملك شخصيا، لكن الشيخ اعتذر بسبب تعوده على الجو البيروتي بين أسرته.
ومنذ العام 1946، يوم تعرف الشيخ عبد السميع بفضيلة الأستاذ العلامة الشيخ فهيم أبو عبيه المبعوث المصري الأول لأزهر لبنان، نشأت صلة خاصة بين الشيخين تقوم على أساس من المودة والاحترام والمحبة في الله. وكان المقرىء الشريف معجبا بالشيخ الخطيب المفوه، سيد منابر لبنان في الخمسينيات وما بعدها، والذي عمل حقبة زمنية لا بأس بها رئيسا للبعثة الأزهرية ومدرسا جامعيا وخطيبا خاصا لمسجد المجيدية.
جامع المجيدية في منتصف القرن الماضي
صور رائعة لمساجد بيروت
Beirut Mosques
https://www.facebook.com/BeirutMosques
صاهر عائلة دوغان البيروتية فتزوج من ابنة أخت الحاج محيي الدين دوغان وانتقل بسكنه إلى بيروت في منزل الغلاييني حيث وافته المنية عام 1975 عن عمر يناهز الاثنين والتسعين عاما، وأثمر زواجه عن أربعة من الأولاد الذكور هم عبد الله ومحمد ومالك وإسماعيل كلهم استقروا في لبنان. وعبد الله ـ رحمه الله ـ هو المربي المقاصدي الكبير الذي تخرج من تحت قناطره الآلاف من الطلبة المقاصديين.
لقد ظل الشيخ عبد السميع الشريف صوتا مدويا في سماء لبنان يصدح بكتاب الله ويطرب الآذان بنغمه الشجي الدافىء فترة من الزمن، ترك خلالها بصماته الخيرة بما عرف عنه من خلق فاضل ودين قويم وسمعة نظيفة طاهرة، وستبقى ذكراه في نفوس محبيه، وسيبقى اسم القارىء الشيخ عبد السميع الشريف محفوظا ومحفورا في ذاكرة بيروت وسجلها الذهبي لروادها الكبار.
المصدر:
نثر الجواهر والدرر للمرعشلي 1/729-730
من مقالة لخليل برهومي في جريدة اللواء البيروتية ـ الجمعة 23/10/1998.
.